السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني صدمة بسبب اكتشافي لخيانة زوجي الذي أحبه حبا جما، كنت أثق به ثقة لا توصف، أحبه وأقدره، وأحاول بما أطيق ولا أطيق كي أسعده، ولكن وفجأة اكتشفت خيانته لي، وحين واجهته بالأمر لم ينكر، بل اعترف بكل شيء، وتأسف وأبدى ندمه وبشدة، وأن ما حصل لم يكن بسبب تقصير مني، وإنما نزوات شيطانية، وطلب مني أن أسامحه وأن نبدأ من جديد، وقلت له إني سامحته، ولكن أنا لا أعلم إن كنت سامحته أم لا؟!
لا أستطيع النظر في وجهه، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أبقى بعيدة عنه، لا تكاد تمر دقيقة إلا وأنا أتذكر فيها أحداثا، أتألم بشدة، وأشعر أن روحي ستختنق بداخلي كلما خطر ببالي ما حدث، أصبحت شاردة الذهن، لم أعد أريد أن ألتقي بأحد!
كرهت بيتي وأصبحت أشك في نفسي، لم أعد أريد التحدث مع أحد، لا أصدق أن هذا حدث معي! أريد حلا قبل أن أفقد عقلي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الرحمن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
مرحبا بك أختنا الكريمة، في موقعك استشارات إسلام ويب، ونحن نشكر لك ما تستطيعين بذله في سبيل إسعاد زوجك، وهذا يدل على رجاحة عقلك وشعورك بالمسئولية، وتقديرك لواجبك في الحياة الزوجية، ونحن نأمل إن شاء الله ونتفاءل بأن هذه الصفات الموجودة فيك ستعود أيضا على أسرتك بالسعادة والاستقرار، مهما عرضت من العوارض التي تهدد استقرار الأسرة ودوامها.
نحن نتمنى أيتها الكريمة أن تتعاملي مع هذا الحدث بهذا العقل الراجح الذي كنت تتمتعين به في حسن تعاملك لزوجك قبل أن يحدث ما حدث، ونحن نقدر ونشعر بمدى الأسى والمرارة التي تعيشينها بعد ما حصل، ولكن هذا لن يحل الإشكال، والتشنج بالتفاعل مع هذا الأمر، وعدم تقبله بنفس طويل وروح هادئة، لن يعود على الأسرة بالخير، ولهذا فنحن نتمنى أن تتعاملي مع هذا الحدث بروية أكثر، وبعقل أكبر، وسنضع بين يديك جملة من الوصايا التي نأمل إن شاء الله تعالى أن تكون علاجا لهذا الأسى، وإزالة لهذه المرارة التي تجدينها.
نتمنى أن تأخذيها بجد، وأن تتعاملي معها بحزم، وفيها إن شاء الله ما يزيل عنك ما أنت فيه، ويعيد لأسرتك تماسكها، ويعيد ما كان بينك وبين زوجك من الود والحب، ويدفعك دفعا نحو الوفاء، والتعامل مع هذا الزوج بما يحقق المصلحة لك وله.
أول هذه الوصايا أيتها الكريمة: أن تتذكري أن هذا الزوج لا يزال بشرا، فهو من جملة بني آدم الذين كتب الله عز وجل على كل واحد منهم أن يخطئ، وإن تفاوت هذا الخطأ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء) وليس هنالك أحد من بني آدم بعد الأنبياء كتبت له العصمة فلا يقع في الذنب أو الزلة، وإذا تذكرت هذه الحقيقة تقبلت النصائح التي ستوجه إليك في سبيل إصلاح هذا الزوج والعود به إلى ما كان عليه.
هو بشر يخطئ كما يخطئ الناس، ومما لا شك ولا ريب فيه أيتها الكريمة أن تأسفه على ما كان، وندمه وإقراره بالتقصير، وأن هذه نزوة من نزوات الشيطان، كل هذا يدل على أن فيه قدرا لا بأس به من الخير الذي ينبغي أن لا نغفله ونحن نعالج هذه المشكلة.
لا تسدي على نفسك أبواب قبول العذر، ولا تستجيبي للشيطان وتميلي إلى داعيه، حين يحاول أن يوحيه إليك بأنك لا تقدرين على قبول هذا العذر منه، فالله سبحانه وتعالى الذي خلق هذا الزوج، ورزقه وعافاه وأعطاه، هو من يكره وقوعه في هذا الذنب، ومع هذا يقبل توبته إذا تاب، ويغفر إذا استغفر، بل ويفرح سبحانه وتعالى بتوبة هذا العبد إذا تاب من هذا الذنب الذي وقع فيه.
نحن ينبغي لنا أيضا أن نتخلق بأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنقبل عذر المعتذر، ونقبل توبة التائب، ونساعده ونعينه على تحقيق هذه التوبة.
الوصية الثانية: أن تتذكري جيدا أيتها الكريمة أن ما حدث ليس لنقص فيك، وليس دليلا على عدم محبة الزوج لك، ونحن نصدق الزوج في ادعائه هذا، ويدلنا على هذا حسن تعاملك معه قبل ذلك، وبذلك لوسعك في إسعاده، فليس إذن ما حصل بسبب منك حتى تعودي على نفسك باللوم، وتضعي نفسك في هذا الموضع الحرج، بل ما حدث إنما هو ثمرة حقيقية للتهاون في حدود الله تعالى، من عدم حفظ الرجل لسمعه ولبصره، وعدم تجنبه لمخالطة النساء، أيضا في المقابل عدم وقوف النساء عند حدود الله، بالتهاون في الحجاب، والاختلاط بالرجال ونحو ذلك.
هذه ثمرة حقيقية لهذه الأسباب، والإنسان – سواء كان رجلا أو امرأة – معرض للفتنة، ويحاول الشيطان أن يستدرجه للوقوف في هذا الذنب بكل وسيلة، ولهذا أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث فقال: (إن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان)، وقال في الحديث الآخر: (إذا أقبلت أقبلت بشيطان، وإذا أدبرت أدبرت بشيطان) فالشيطان هو الذي يحسنها ويجملها لنظر الناظر، ويثير فيه الغرائز وفيها، ويجرهما جرا إلى الوقوع في الذنب والمعصية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
ليس إذن السبب هو عدم حبه لك، ليس السبب وجود نقص فيك، ليس السبب شيئا من ذلك، السبب هو هذا، أن هذه فتنة عظيمة يقع الإنسان في شراكها، حين يتهاون في مقدماتها، فيتعدى حدود الله تعالى، وإذا عرفنا هذا سهل علينا أن نعرف كيفية العلاج، والوقاية من هذا الذنب في المستقبل إن شاء الله تعالى.
الوصية الثالثة أيتها الأخت الكريمة هي: أن نذكرك باحتساب الأجر عند الله تعالى في إعانة الزوج على التوبة، والتخلص من آثار هذا الذنب الذي وقع فيه، ولا شك ولا ريب أنك تحبين زوجك، ومن ثم ينبغي أن يكون حبك لزوجك دافعا لك لتجنبيه آثار هذا الذنب من عقاب الله تعالى وسخطه.
حاولي ما استطعت محتسبة أجرك عند الله أن توفري له الأجواء التي يتمكن فيها من التوبة، وتحقيقها وتكميلها، ونسيان هذا الذنب، والأمن من الرجوع إليه مرة أخرى، وأهم هذه الوسائل التي نوصيك بها:
1- السعي في تقوية إيمان هذا الزوج، بحثه على المحافظة على الصلوات لاسيما في جماعة، وحثه على مصاحبة الصالحين في جماعة المسجد، وحضور مجالس الذكر ومجالس العلم، فإن الاشتغال بالخير يبعد الإنسان عن الشر، فإن النفس فارغة إذا لم يشغلها الإنسان بالطاعة شغلته هي بالمعصية، والإيمان إذا قوي في الإنسان فإنه يحول بينه وبين الوقوع في معاصي الله تعالى، أيا كانت هذه المعاصي، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان قيد الفتك) أي هو الحائل بين الإنسان وبين الفتك – أي الوقوع في معاصي الله تعالى - .
2- مما يعين الزوج على التوبة: قربك منه، وعدم قطع علاقات الود بينك وبينه، فقربك منه وشعوره بأنك لا تزالين بجانبه تساندينه ليتخلص ولينقذ نفسه من سخط الله الذي لا تقوم له السموات والأرض.
إحساسه بقربك منه يزيد من محبته لك، ويقوي شخصيته ويبعده عن الوقوع في هذه الآفة، ومن هذا القرب حسن التبعل له، وحسن التجمل له بحيث يجد فيك ما يغنيه عن النظر إلى غيرك.
نحن على ثقة أيتها الكريمة بأنك إذا عملت بهذه الوصايا سيزول ما تجدينه من ضيق وحرج، وستقدمين بذلك الخير لزوجك هذا الذي تحبينه ولنفسك، وتحفظين بذلك أسرتك.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمع بينك وبين زوجك على خير، وأن يصلحه ويصلحك له.