السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزيتم خيرا على هذا الموقع الرائع.
خطبني رجل صاحب خلق ودين، وبعد فترة من الخطبة هاجر إلى بلد غربي ليكمل دراسته، وتعرف خلال غربته على فتاة، ويبدو أنه أحبها حسب ما أخبرتني به أخته، وكما لاحظت من تغيره الكبير نحوي.
انفتح بشكل كبير خلاف ما أعهده، وفي النهاية ظل يكبر من أي مشكلة صغيرة تحدث بيننا، وطلب مني الفسخ، فتم الفسخ، ولكن في قلبي قهرا وجرحا منه، فهو لم يكتفي باستغفالي، ولكن أهانني في بعض المواقف، واتهمني بأشياء أمقتها.
أنا الآن أدعو عليه كل حين، حاولت أن أسامحه لكني لم أستطع، فهل ما فعله بي ظلم بعد خطبة دامت سنتين؟ وهل يحق لي بعد أن كنت أدعو له كل حين أن أدعو عليه بالذل والمهانة والعجز؟ علما أنه يتصرف وكأنني أنا التي ظلمته، وأشعر بحرقة لذلك.
أنا مؤمنة بقضاء الله، لكني أخشى على نفسي أن أنزاح عن الطريق ولا أصبر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
كم تمنينا أن يدرك كل رجل أن بنات الناس أمانة، وأنها مسؤولية، وأن الإنسان إذا قصد الشر أو آذى الناس لا يمكن أن يخرج من هذه الدنيا دون أن يأخذ حظه ويشرب من ذات الكأس، مع ما ينتظره عند الله، إذا لم يتب توبة نصوحا ويفوز بعفو من ظلمهم.
لا شك أن هذا ظلم لا يرضاه الواحد منا لبنته أو لأخته أو لعمته أو لخالته، فكيف رضي هذا الرجل هذا الظلم لك، ولكننا من جانبنا أيضا نذكرك بضرورة أن يكون عندك رضا بقضاء الله وقدره، بل إننا ندعوك إلى أن تحمدي الله - تبارك وتعالى - الذي أظهر حقيقة هذا الرجل في هذا الوقت المبكر، فهذه منحة في شكل محنة، يعني منحة وهدية من الله - تبارك وتعالى - لكنها جاءتك في شكل محنة، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، فنسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد.
وكم تمنينا دائما أن يجتهد الأهل في السؤال عن هذا الذي يخطب بنتهم، فإن كثيرا من الناس ربما يمثل، ربما يخدع الآخرين، لكن حقيقته تنكشف بالمعايشة، بالسؤال عن أصحابه، بالسؤال عن تاريخه، بالسؤال عن حياته.
إن كنتم قد اجتهدتم في هذا لكنه خدعكم فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، ولا شك أن من حق كل مظلوم أن يدعو على من ظلمه، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) لذلك كان ابن عباس يقول: (دعوتان أخاف إحداهما وأرجو الأخرى) أما التي كان يخاف منها فهي (دعوة مظلوم ظلمته)، والتي كان يرجوها (دعوة مظلوم نصره وأيده فأصبح يدعو له).
ونحن لم نعرف تفاصيل ما حصل بينكم، ولكن هذا الرجل في كل الأحوال أساء إليك؛ لأن الفتاة هي الركن المتضرر من فسخ الخطبة، خاصة بعد هذه المدة الطويلة التي كان يمكن أن تأتيها فيها فرص جديدة، ولكن كل شيء بقضاء الله - تبارك وتعالى - وقدره وسوف يأتي الرجل الذي يسعدك ويعوضك عن هذا الخلل.
ونريد أن نقول: يقول رب العزة والجلال: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} فللمظلوم أن يأخذ حقه، ولكن العفو، ولكن السماح، ولكن تفويض الأمر وتركه لله - تبارك وتعالى - أعلى وأغلى وأفيد للمظلوم، وأشد خطرا على الظالم، فنحن نرى أن تكتفي بما حصل من الدعاء عليه، وتفوضي أمرك إلى الله - تبارك وتعالى - وتجتهدي في طي هذه الصفحة، ولا تقابلي أخطائه بأخطاء، ولا تقابلي إساءته بإساءة، فإن في ذلك إضافة شر إلى شر، والجئي إلى الله - تبارك وتعالى - واسأليه التأييد، واعلمي أن ما عند الله لا ينال إلا بالطاعة، فحافظي على نفسك، ولا تجعلي آثار ما حصل عصيانا - لله تبارك وتعالى - فالتمسك بالطريق والسير عليه والثبات على طريق الهداية هذا مطلب، سواء تحقق لك الزواج أو لم يتحقق، سواء جاءك المال أو لم يأت، لأننا خلقنا لعبادة الله القائل: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.