السؤال
السلام عليكم...
أنا فتاة عمري 29 سنة، منذ أن كنت طفلة وأبي قاس علينا، ويقصر معنا بالمصروف ولا ينفذ طلباتنا الضرورية، وبالعام الماضي أعطتني جدتي مبلغا من المال لأصرف منه، ولم أخبر والدي، ولكنه علم بعد فترة فغضب مني، لأنني لم أعطه المال وقاطعني تماما، وصار يتكلم عني بالسوء بين الناس وأنني قليلة تربية، فما العمل؟
وأيضا والدي كثير الجدال، فيذكر ويهزئ على أية مشكلة تحدث لشهور ولا ينساها، وقد تعبت من تشتت أسرتنا، لأننا لا نجتمع ولا نجلس سوية من كثرة جدال أبي، فما العمل؟ علما أنه قد قال لي لن أرضى عنك حتى ترجعي لي المال، ولا أستطيع ذلك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أريج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك من كل مكروه وأن يرزقك بر والديك.
الأخت الفاضلة: لا شك أن بر الوالدين من الأمور التي أوجبها الإسلام حيث أمر الله بذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء 23-24]. فأمر بالإحسان إليهما، ثم نهى عن إساءة الأدب معهما، أو إظهار أي تبرم أو تأفف { فلا تقل لهما أف } أي: لا تؤذهما أدنى أذية، { ولا تنهرهما } أي: لا ترفع صوتك عليهما، { وقل لهما قولا كريما } أي: لينا طيبا لطيفا، بتأدب واحترام وإكرام.
وقد أكد الإسلام على ضرورة مراعاتهما وعدم التقدم عليهما، فقد رأى أبو هريرة - رضي الله عنه - رجلا يمشي خلف رجل، فقال: "من هذا؟ قال: أبي، قال: لا تدعه باسمه، ولا تجلس قبله، ولا تمش أمامه".
ولا شك أن الآباء تتفاوت أخلاقهم وتدينهم ومع ذلك يبقى البر قائما وإن كانا مشركين قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}[لقمان: 15] فنهى عن طاعتهما فيما يأمران به من معصية الله -تعالى- والإشراك به، ثم أمر بمصاحبتهما ولو كانا يجاهدانه على الشرك.
وقد أخذ أهل العلم من هذه الآية أحكاما تبين في جملتهما أهمية طاعة الوالدين، فقد سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: إذا أمره أبواه أن لا يصلي إلا المكتوبة؟ قال: يداريهما ويصلي، وقال أيضا في رجل يصوم تطوعا، فسأله أبواه أو أحدهما أن يفطر: يروى عن الحسن أنه قال: يفطر وله أجر البر وأجر الصوم إذا أفطر، وقال في غلام يصوم وأبواه ينهيانه عن صوم التطوع: ما يعجبني أن يصوم إذا نهياه، ولا أحب أن ينهياه. يعني عن التطوع. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ففي الصوم، كره الابتداء فيه إذا نهياه واستحب الخروج منه، وأما الصلاة، فقال: يداريهما ويصلي "، وقال ابن مفلح: " وقد نص أحمد على خروجه من صلاة النفل إذا سأله أحد والديه، ذكره غير واحد "، وهذا كله دليل بين على عظم حقهم ووجوب طاعتهم مع الإقرار باختلافهم وتباين مشاربهم.
وما حدث معك -أختنا الفاضلة- يدل على ذلك فوالدك كما ذكرت يجادل كثيرا ويطالبك الآن بما تعجزين عنه ونحن نوصيك بما يلي :
1- لا تدخلي معه في أي جدال يؤدي إلى غضبه، وتذكري قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا".
2- اجتهدي على أخوتك كذلك أن يبتعدوا عن جدال الوالد، وإنا لنرجو أن تندمل هذه الخصلة (جدال الوالد) بترككم إياها.
3- أظهري له خطأك وابدي استعداد كلما رزقك الله مالا أن تعطيه إياه وأخبريه أنك تفعلي ذلك لأنك تحبينه، ولا تنتظري تغيرا في موقفه سريعا لكن ثقي أن الحدة ستقل تدريجيا.
4- أكثري من الدعاء له بالهداية وصلاح الحال، فالدعاء سهم صائب.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يهدي والدك، والله الموفق.