السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقدان أحد الوالدين أعظم مصيبة على وجه الأرض، فقد فقدت أغلى إنسان وكنز حياتي وهو أبي حبيبي في بداية هذا الشهر، وأنا في صدمة وفي حزن لا يعلمهما إلا الله، والحمد لله على كل حال.
أبي توفى وعمره 47 سنة بسبب توقف القلب، وكان يشتكي من مرض القلب.
أنا ابنته الكبيرة، تزوجت –والحمد لله- وعمري 21 سنة، وأبي كان محتاجا جدا، فقد كان يعمل لكن راتبه قليل، وعدد عائلتنا كبير 9 أولاد وبنات، عندما علمت بمرضه وأنه يعاني من ضعف قلبه، كلمته عن العلاج عدة مرات، وقلت: يا أبي لا تهتم بالمصاريف، أنا سأتكفل بها -إن شاء الله-، لكنه يقول لي بأنه تحسن ويرد طلبي.
وفجأة أبي مات وقلبه توقف بسبب عدم قدرته على العلاج، وأنا أتحسر وأندم كثيرا.
أنا حزينة لأني لم أستطع أن أعالج أبي، هذا هو شعوري بالذنب والحمد لله على كل حال، فالأعمار بيد الله.
أرجو من الله ومنكم السماح إذا أخطأت في التعبير عن مشاعري، لكن فقدان الأب ليس سهلا، أنا أشتاق له وأتمنى أن أراه وأضمه لمرة واحدة فقط، أسأل الله أن يغفر لي ولأبي ويرحمه ويعفو عنه ويوسع مدخله، يا رب اجعل قبر أبي روضة من رياض الجنة، واجعل مثواه الجنة، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واجمعنا به جميعا في جناتك جنات الفردوس الأعلى، انصحوني كيف أبر والدي بعد وفاته؟
وشكرا لكم، وصلى الله على نبينا محمد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم فيصل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يرحم والدك وأن يغفر له ما قدم وما أخر وما أسر وما أعلن، وأن يجعل مقامه بجوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ولا شك -أختنا الفاضلة- أن الفراق له ألمه، وأن الوالد حين تفقده الفتاة يكون أمرا شاقا على النفس، ولكن اعلمي أن هذه هي الحياة جبلت على الحزن والهم، ومن أصدق ما قيل في ذلك قول الشاعر:
حكم المنية في البرية جار *** ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا *** حتى يرى خبرا من الأخبار
جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة *** والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفير هار
فما من أحد في الحياة -أختنا الفاضلة- إلا وقد أصابته لفحة البلاء، من الناس من يبتلى بالمرض، ومنهم من يبتلى بالفقر ومنهم من يتبلى بموت حبيب أو عزيز، ومنهم من بتلي بالتضييق عليه، المهم أن كل فرد يأخذ قدرا من البلاء، لكن العجيب أن الجميع يعتقد -كل على حدة- أن بلاءه أكبر وأشد وأشق وأعظم بلاء، وليس الأمر كذلك -أختنا-، فالله يبتلي الناس ليعلم الصادق من الكاذب كما قال تعالى: {ألم*أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون*ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} فالوالد -أختنا الفاضلة- قد أفضى إلى ما أقدم وانتهى امتحانه، والحزن اليوم ليس على من فاز بالنتيجة -نسأل الله أن يكون من أهل الفردوس الأعلى- وإنما الحزن علينا، نسأل الله يتقبلنا في الصالحين.
ثانيا: اعلمي -أختنا الفاضلة- أن الله يختار لعبده الأفضل، وما يدريك لو عاش والدك لتألم ألما لا يستطيع من بجواره أن يساعده أو يخفف عنه، فالخير ما اختاره الله عز وجل لا ما نختاره نحن.
ثالثا: يخفف عليك وعلى كل من مات له عزيز موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أشرف الخلق وأحبهم عند الله، ولكنه مات وسنلحق به حتما -أختنا-، فلو أن الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيا وباقيا.
رابعا: سألت ما الذي يجب أن تفعليه -أختنا الكريمة-، ونحن نقول لك افعلي ما يأتي:
1- كثرة الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
2- إخراج الصدقة عنه، والأفضل أن تكون صدقة جارية.
3- صلة من كان يصلهم الوالد.
4- إصلاح النفس بتوجهها إلى الله عز وجل، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك فقال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
نسأل الله أن يصبرك على فراقه، وأن يرحم والدك رحمة واسعة، والله ولي التوفيق.