ضاقت نفسي على ما ضيعت من صلوات في شبابي.. هل سيغفر الله لي؟

0 278

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعانكم الله على الخير، وبارك الله فيكم.

أتمنى منكم الجواب الشافي الذي يريحني ويطمئنني، أنا شاب في الثلاثين من عمري، ملتزم في صلاتي –والحمد لله- وأذكر الله، وأقرأ القرآن بانتظام، وقد بدأت في حفظه تدريجيا، لكن للأسف في بداية شبابي لم أكن ملتزما بصلاتي، تارة أصلي وتارة أترك الصلاة، يوما أصلي، ويوما أترك، شهرا أصلي وشهرا أقطع، أحيانا أصلي الظهر والعصر، وأترك الباقي.

الآن تبت إلى الله والتزمت بصلاتي، وديني -والحمد لله- عسى أن يتقبل مني الله، لكن ما يؤلمني ألما شديدا، وألما في قلبي عندما أفكر في تلك الأيام التي أضعت فيها الصلاة، وعندما أقرأ القرآن أو أسمعه، وتمر علي آيات العذاب، أشعر بالرهبة والخوف الشديد عندما أتذكر ما تركت من صلوات، وأدعو الله وأبكي أحيانا أن يعفو عني ويغفر لي، وأصبحت دائم القلق والتفكير بما أفعله للتعويض عما فاتني من صلوات تركتها عمدا وتكاسلا، وأنا أشعر بالندم.

أشعر أحيانا بأن الله غاضب علي، أو لن يغفر لي؛ لأني أحيانا أفتقد للشعور بالخشوع في الصلاة، فأشعر بأن الله غاضب، أو ختم على قلبي، ولكني أشعر بألم في قلبي عند المرور بآيات العذاب، وأشعر بخوف ورهبة عند ذكر اسم الله في القرآن.

أحبتي أعينوني على ما يجب أن أفعله، وكيف أعوض ما فاتني؟
هناك من قال لي التوبة تمحو ما قبلها، وأنك كنت كافرا بترك الصلاة وبتوبتك فتحت صفحة جديدة.

وهناك من قال لي: عليك بالإكثار من النوافل، وقيام الليل، والدعاء، وهناك من قال: عليك بالقضاء كل ما فاتك مع التوبة، بالرغم من أني لا أعرف كم تركت من صلوات؟ ولا أعرف كيف سأقضي، وأنسق بين حياتي وعملي وصلواتي المفروضة وبين ما سأقضيه من صلواتي الفائتة المتروكة؟

مع العلم أن نهاري أقضيه بالعمل وليلا أعود متعبا أنام لأقوم صلاة الليل، وأقرأ القرآن، وأصلي الفجر، وأذهب للعمل، فكيف أنظم أموري، وما الذي علي أن أفعله، وهل سيغفر لي الله أو يتوب علي؟

أريحوني أراحكم الله، لقد ضاقت بي نفسي، لكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زام الخطيب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نحن نرحب بك في استشارات إسلام ويب – أيها الحبيب – ونهنئك بتوبة الله تعالى التي وفقك بها للتوبة وإحسان العمل وتدارك ما بقي من أيام عمرك، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك هذه التوبة، وأن يثبتنا وإياك على الخير والحق حتى نلقاه.

لا شك أن ما أدركته – أيها الحبيب – من عظم ذنب التهاون في الصلاة وتركها أمر صحيح، فإن ذنب ترك الفريضة الواحدة أعظم الذنوب بعد الكفر بالله تعالى، ومن العلماء من يعده كفرا كما سمعت أنت من بعض الناس، ولكن كل ذنب وإن عظم يغفره الله تعالى إذا تاب صاحبه توبة صادقة، والتوبة الصادقة هي التي تشتمل على أمور ثلاثة:
أولها: الندم على ما فات.
وثانيا: العزم على عدم الرجوع في المستقبل إلى هذا الذنب.
والثالث: ترك الذنب في الحال.

فمن تاب هذه التوبة في ذنب من الذنوب التي تكون بينه وبين الله فإن الله تعالى يقبل توبته بكرمه ومنه، كما قال سبحانه عن نفسه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}، وكما قال سبحانه وتعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} وأخبرنا سبحانه وتعالى بأنه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما أخبرنا جل شأنه بحبه للتوابين، وأخبرنا نبيه - صلى الله عليه وسلم – بأن الله يفرح بتوبة العبد إذا تاب، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والأحاديث والآيات القرآنية في هذه المعاني كثيرة جدا، فهون على نفسك، وظن بالله تعالى الظن الحسن، ظن بالله أنه سيغفر لك، وأنه سيتقبل منك هذه الصلوات التي تؤديها والأعمال الصالحة التي تقوم بها، واجعل من حسن الظن بالله تعالى باعثا لك على زيادة العمل الصالح وإحسانه وإتقانه، والله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) وفي رواية ابن حبان: (فمن ظن خيرا فله، ومن ظن شرا فله).

وحسن – أيها الحبيب – أن يخاف الإنسان من ربه، وأن يخاف ألا يتقبل الله تعالى منه شيئا من عمله، ونحو ذلك من البواعث التي تبعث الإنسان على الخوف، لكن الواجب على المؤمن أن يتوازن في خوفه ورجائه، فيجعل من الخوف باعثا له على اجتناب معاصي الله تعالى، ومثبتا له على التزام الطريق، ويجعل من الرجاء والطمع في فضل الله تعالى في رحمته باعثا ومنشطا على مزيد من العمل الصالح، وسببا لانشراح الصدر، والعمل بالإسلام وما فيه من شرائع بطيب خاطر، ولن يكون من الله تعالى إلا ما تظنه من الخير -إن شاء الله-.

فحسن ظنك بالله، واثبت على ما أنت عليه من الخير.

وأما قضاء الصلوات فالأمر كما سمعت ممن ذكروا لك أن من العلماء من يرى بأنه لا قضاء عليك، ومنهم – وهم الأكثر – من يرى أن عليك أن تقضي ما فات من الصلوات، وأن تجتهد في تقدير ما عليك، فإذا ترددت هل عليك مثلا مائة صلاة أو ثمانون صلاة، تجعلها مائة صلاة، لأن الأصل أن الذمة لم تبرأ مما شغلت به.

وفي القضاء منهم من يرى وجوب شغل الوقت جميعه، الزائد على وقت اكتساب ما تحتاجه من النفقة على نفسك وعلى من تلزمك نفقته، أن تشغل هذا الوقت بقضاء الصلوات، ومنهم من يرى بأنه يجوز له أن تقتصر في اليوم الواحد على قضاء صلاة يومين، والقضاء يكون مرتبا، بمعنى أنك تقضي الصلوات مرتبة (الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر) وهكذا.

والفريق الآخر يرى من العلماء يرى بأن القضاء لا تطالب بها في هذه الحالة، وأن المطلوب منك أن تكثر من النوافل حتى تثقل موازينك يوم القيامة، وهذا قول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء وافقوه في القديم والحديث، ولا حرج عليك بأن تأخذ بهذا القول، فإنك إذا أخذت بقول عالم ممن تثق بعلمه ودينه فقد أديت ما فرض الله تعالى عليك لقوله: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات