السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولا: أشكركم على الموقع المميز ويا رب يكتب لكم جنة الفردوس، نفتح قوقل ونبحث عن حلول لما بداخلنا ونجدكم أمامنا بدون أي ماديات، ربي يجزيكم بجنة عرضها السموات والأرض .
أنا محتاجة لاستشارتكم ولو كان ذلك يدفعني ثمن الاستشارة.
أنا أرملة عمري 29 سنة، وترملت قبل 9 سنين وأنا عمري 19 سنة، وأكملت الكلية وتوظفت، والآن أعمل إدارية، منذ الطفولة وأنا أعاني من التهميش وأني غير جميلة وغير مرغوبة، عندما كبرت أصبحوا يقولون: أنت جميلة. وأحس في داخلي أنه كذب، أهلي لا يحبونني، في دراستي كنت الأولى في الصف، وأصبحت في المتوسط أنجح بجيد فقط بسبب أنهم يرددون: سنزوجك، عندما تزوجت أنجبت بنتا لديها مشكلة في الغدد، وصغيرة الجحم، وعندها فرط حركة، أتعبتني في حياتي ولكن الحمد لله.
عرضت على أبي أن أتزوج ورفض ورفضت أمي، حاولت كثيرا إقناعهم ولكن لا حول ولا قوة لي، أبي من وقت دخلت بيته إلى اليوم يناديني -أكرمكم الله- (الزق) ويقول لأمي: ابنتك أو بنت الشوارع. لم يذكر اسمي ليومنا ولا يذكر اسم ابنتي نهائيا، مع أن اسمي صالحة، وفي الدوام المدراء يقولون: من كثرة ما نرى من الصلاح أنت (الصالحة). وأصبحت في دوامي أدير مائة موظفة، أقسم بالله أكتب وأنا متعبة من داخلي، لم أعد أتحمل تصرفاتهم في المنزل ولا خارجه، حياتي مقلوبة، حتى طفلتي من كثرة القلق في داخلي كل فترة أنقلها إلى دكتور وكل فترة تأتيني فكرة: متعبة أنا.
وعمري قرب من الثلاثين وأهلي يتحكمون في خروجي ومكالماتي وحتى بجوالي، أريد أن أبحث عن ناصح لهم ولكن لا عم ولا خال يستقبل مني، كل ينقل الكلام لزوجته وكل له حياته، كل ما ذكرته نبذة عن حياتي، أذكر لكم مشكلتي التي أعاني منه الآن، مشكلتي النسيان الكثير، والآن وصل بي الموضوع حتى أنسى لأي ركعة وصلت، حتى القرآن أحاول أن أركز في آيتين وبعدها أسرح، أكون مركزة وفجأة لا أعرف إلى أي جزء وصلت، أما في عملي أنكر أنه حصل كذا وكذا، والمشكلة أني مهما حاولت التذكر لا أستطيع التذكر إلا نادرا.
مشكلتي الثانية: عند محاولتي التوبة والقرب إلى الله يأتيني الخوف أني سوف أموت الآن، وأشتاق لسماع الأغاني، والحزن يأتيني من كل جهة برغم حياتي الروتينية، لا أسمع الأغاني ولا أشاهد مسلسلات لأن دوامي طويل وأرجع للمنزل متعبة، أكره تفاصيل الاهتمام بنفسي ودائما يأتيني إحساس لمن أهتم ولم ألبس؟
وعندما أريد الخروج لاجتماع مع الناس أصاب بصداع أو رجفة خاصة لو كان الناس بيننا، مجتهدة في عملي ولكن لا أحب التعلم، دائما خائفة ومترددة، تزوجت زواجا غير معلن أو معلن قبل 4 شهور، الرجل يختلف عني في الثقافة والأسلوب والأطباع وأتعبني كثيرا، ينظر لنفسه على أنه مبدع ولبق ويبحث كثيرا عن التطور والمادة المربحة، وأنا أبحث عن الحنان والرومانسية والأجواء التي أفتقدها بحياتي، فأحاول أن أتكلم معه كثيرا لمحاولة أن يتفهم وضعي ولكن يعود لنفسه ويقول: أنا وأنا وأنا. وأرجع للصمت، أحب جميع الناس ولا أعرف الحقد، ولكن أحيانا أصدم من نفسي فبعض الكلمات تظهر جارحة للناس، وبعدها أبكي.
أرجو الرد والاهتمام وأكون شاكرة لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صالحة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: قد تفهمنا تماما حالتك -أختنا الكريمة- وتفهمنا وضعك النفسي، خاصة بعد أن ترملت وما تعانينه من سوء المعاملة التي تتحدثين عنها، وكذلك زواجك السريع والذي لم يكن على الراجح مدروسا بعناية، فالاختلاف بينكما على ما ذكرت كان يمكن أن يكتشف في البداية، ونود هنا أن نذكرك –أختنا- بأن بعض البلاء عافية، ولو نظرت إلى غيرك لعلمت أنك في نعيم، فإن كنت ترملت فغيرك ترمل أصغر منك ولم تجد مأوى ولا عملا ولا ما تنفق به على عيالها، وإن كنت تزوجت ممن لا ترتاحين له فغيرك لم تتزوج ولم تعرف معنى الزواج وتجلس هكذا صابرة محتسبة، وإن كانت طفلتك مريضة نسأل الله أن يشفيها وأن يعافيها فغيرك من النساء حرمت نعمة الطفل وتبكي حسرة على ذلك، وهكذا كلما تذكرت ما يتعبك تذكري مباشرة ما من الله به عليك من نعيم حتى تتوازن الرؤية عندك.
ثانيا: من الأمور التي تبشرك –أختنا- أن أكثر الناس بلاء هم أهل الصلاح، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه" ولا شك أن كل ما يقع للمؤمن هو له خير كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) وعند البلاء لا يصلح إلا الرضى بالقضاء، وغيره هم وحزن وألم وغم ولا يكون إلا ما قدر الله عز وجل، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط " فالابتلاء -أختنا الكريمة- دليل عافية، وتذكري أنه لولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس كما قال أحد السلف، وقد قال الشاعر قديما:
ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة *** وعسر ويسر ثم سقم وعافية
ثالثا: من الجميل أن تستعيني على عظم ما أنت فيه بقراءة أحوال أهل البلاء، اقرئي قصة أيوب -عليه السلام-، فهي من أروع القصص في الابتلاء التي تعينك على طاعة الله والصبر على ما أنت فيه، وكيف حال أيوب -عليه السلام- مع الله حتى في دعائه كان يقول: {ربي إني مسني الضر} ووصف ربه بصفته {وأنت أرحم الراحمين} ثم لا يدعو بتغيير حاله صبرا على بلائه، ولا يقترح شيئا على ربه تأدبا معه، وتوقيرا، فهو أنموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء، ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع العصور، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه، فيدع الأمر كله إليه اطمئنانا إلى علمه بالحال، وغناه عن السؤال وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب -عليه السلام- إلى ربه بهذه الثقة، وبذلك الأدب كانت الاستجابة، وكانت الرحمة، وكانت نهاية الابتلاء، قال تعالى: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم} رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم، ونحن نسأل الله أن يرفع عنك ما ألم بك عاجلا غير آجل وأن يعوضك الخير.
رابعا: بالنسبة لصلاتك والنسيان الطارئ عليك، العلماء قد ذكروا أن الإنسان إذا نسي في صلاته عليه أن يعتمد الأقل ويتم صلاته، فإذا شككت هل صليت أربعا أو ثلاثا اجعليهم ثلاثا وهكذا.
خامسا: التوبة –أختنا- دائما مقبولة إذا كانت صادقة من قلب صادق ومعها عزم أكيد، ثقي أن الله يريد الخير لك، ويقبلك على ما كان منك، بل يفرح ربنا لتوبة عبده، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) وهذا يثبت لك –أختنا- سعة رحمة الله بنا، فأملي في الله خيرا واعلمي أن الله كريم غفور رحيم وهو القائل جل شأنه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} والتعبير بقوله جل شأنه: {لا تقنطوا من رحمة الله} يدل على سعة رحمة الله وعدم يأس المؤمن من رحمة الله جل وعز. فبادري بالتوبة إلى الله -أختنا الفاضلة-، وأقبلي على ربك، ولا تيأسي من رحمة الله.
سادسا: وأما زوجك الحالي أختنا فإننا نوصيك بما يلي:
1- الصبر عليه مع الإحسان إليه، والصبر ليس سلاحا سلبيا، وإنما هو سلاح إيجابي جدا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم– قد أمره الله به فقال: {فاصبر صبرا جميلا} وقال له: {فاصبر الصبر الجميل} والنبي -صلى الله عليه وسلم– بشرنا بقوله: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا).
2- ترسيخ مبدأ الحوار بينكم على أن يتميز بالشفقة عليه مع تقديرك له وإظهار حرصك عليه.
3- اجتهدي –أختنا- في الإكثار من الدعاء لله عز وجل، وخاصة الاستغفار فقد قال تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} اجتهدي في الدعاء واعلمي أن الدعاء سهم صائب متى ما انطلق من قلب صادق.
نسأل الله أن يبارك فيكم وأن يحفظكم من كل مكروه، والله المستعان.