أريد معرفة سبيل الرجوع إلى الله بعدما عصيته، فدلوني

0 149

السؤال

السلام عليكم

أريد معرفة الرجوع إلى الله بعد ما عصيته، وخاصة أني ارتكبت بعض الكبائر.

فيما مضى لم أكن مقصرا، بل كنت أصلي، وكنت أتمنى دائما تحسن الصلة بالله، وبعد ارتكابي لبعض المعاصي أصبحت لا أطيق نفسي، ودائما كثير المشاكل مع عائلتي.

صرت بين مرحلة التوبة والمعصية، أعصي وأتوب وأعصي وأتوب، حتى بلغ بي الأمر إلى ارتكاب بعض الكبائر والابتعاد عن الله، وابتعدت عن الصلاة، وأدمنت الإباحيات، حتى مشروع حفظ كتاب الله الذي بدأت تطبيقه انهار ذلك الحلم!

هل لي من توبة؟ وإذا كان جوابكم بالإيجاب فهلا أرشدتموني إلى الطريق وكل ما يجب فعله؟

بارك الله فيكم وجزاكم كل خير على مجهودكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.

أما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

- لا ينبغي أن نضعف أمام شيء، وربنا هو الله الكريم المتفضل علينا، أخي الحبيب لا تقل: آسف لا أستطيع! بل قل: أقدر، إن شاء الله، واستعن بالله ولا تعجز وسيجعل الله لك بعد عسر يسرا.

- حديثك –أخي- يدل على قلب تائب ونفس نادمة، وهذا فيه خير كثير، فالندم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، توبة، وما حملك على السؤال إلا عدم سعادتك بما آلت إليه أمورك، وإننا لنكاد نسمع قولا لم تكتبه ولم تقله عنوانه الأبرز: أريد العودة إلى الله، أريد الاطمئنان والهدوء، أريد أن أستلذ بدمعة ما نزلت إلا حبا في الله وخوفا منه.

- أخي المبارك: لا زال الباب مفتوحا أمامك للعودة، ولا تظن أن الله لن يقبل الله توبتك وقد فعلت ما فعلت، فالله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه: (‏‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) فانظر -بارك الله فيك- كيف هي رحمة الله مع من أسرف في الذنوب لكنه عاد إلى الله تائبا نادما، بشره الله بالمغفرة متى ما كان صادقا في توبته، ولعلك تلحظ في صيغة النداء أن الله نسب العاصي إلى نفسه فقال: (يا عبادي) ثم قال: (الذين أسرفوا على أنفسهم) أي: أكثروا في الخطايا، (لا تقنطوا من رحمة الله) لا تيأسوا من رحمة الله، (إن الله يغفر الذنوب جميعا) أي: إنه يغفر الذنوب جميعا عظمت أم صغرت، كثرت أم قلت، فبادر بالتوبة إلى الله وأقبل على ربك، لتخرج إلى الطمأنينة والسكينة.

ألا تريد طمأنينة القلب؟ إنها ها هنا في التوبة، ألا تريد فرحة الروح وسعادتها؟ إنها هنا في التوبة، ألا تريد أن تعيش قريرة العين سعيدا في دينك ودنياك؟ إنها ها هنا في الإنابة إلى الله، قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) بل زاد فضل الله وكرمه حين يبدل السيئات والموبقات إلى حسنات كريمات فاضلات، قال الله جل وعلا: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).

- أخي الحبيب ندرك أنك على خير، وأن بداخلك شخصا طيب المعدن لديه استعدادات كبيرة جدا لأن يكون صالحا نافعا لدينه وأمته، فانهض من عثرتك يا من عملت الصالحات وتلذذت بها، انهض وثق أن الله معك، وسيغفر لك ما كان منك، ما دمت صدقت مع الله، انهض وقل لذنبك ربي كبير.

- اعلم أخي الحبيب أن لكل معصية أسبابا دافعة إليها، ولها ووسائل معينة عليها، وإننا ندعوك إلى البحث عن تلك الأسباب، والتي غالبا ما يكون منها: البعد عن الله عز وجل، أخي الحبيب: المعصية شهوة، والشهوة لا تقوى إلا في غياب الرقابة الذاتية والتشريعية، ومنها الصلاة، قال الله (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات) فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعا أنه ابتعد عن الصلاة، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأداها كما أمره الله أعانه الله علي شهوته.

إن النفس إذا لم تنشغل بعمل نافع فإن لديها طاقة لا بد من أن تصرفها وستبحث عن أي مجال تنفق فيه هذه الطاقة كما قال أحد السلف: "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل".

- نريد أخي الحبيب أن تبحث سريعا عن أصدقاء صالحين، فالمرء بإخوانه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، والمرء على دين خليله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل"، وكما قال أحد الشعراء:

واحذر مصاحبة اللئيم فإنـه * يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، ونتمنى أن أمورك قد استقرت، وأنك قد عدت إلى ما كنت تأمل وزيادة، ونحن على يقين من تحولك إلى الحق سريعا.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات