منّ الله علي بالنعم ولكني مقصرة في حقه وحق والدي

0 297

السؤال

سلام الله عليكم، وبعد:

أنا فتاة أبلغ من العمر (19) عاما، من الله علي بالكثير من فضله ونعمه التي -بصراحة- لا أستحقها، كيف ذلك وأنا غير محافظة على صلاتي؟! وأرتكب العديد من المعاصي، ولا أوفي حق والدي كما يجب اللذين وصى بهما في كتابه العزيز. صحيح أني في بعض الأحيان أقبل رأسيهما، وأسألهما الرضا، لكن في البعض الآخر حين أكون في حالة عصبية أنهرهما! لا، بل لا أساعد والدتي في أعمال المنزل إلا قليلا، صدقوني، أعلم بجرمي وإساءتي وتقصيري، وأكتب لكم بقلب منفطر ومحروق، وعينين دامعتين.

ندمي أفضل عذاب يمكن أن يجازيني ربي به! كيف وأنت ترى نفسك لم تقدم إلا البؤس لأعز الناس على قلبك؟!

أرجوكم لا تذكروني أكثر بحقارتي، فأنا كرهت نفسي، واشمأززت منها لدرجة لا توصف! بل أتمنى من حضراتكم أن تحدثوني عن عفو الله وكرمه لأصحاب الوجوه السوداء، هو أمرنا أن نسامح من يطلب السماح، إذن ماذا بشأني أنا؟

هو أنعم علي بالصحة والعقل، وأوفاني حقي من جمال، وتعليم، ومسكن..، وأنا لا أقابل إحسانه إلا بالعصيان، والذي يحرق قلبي أكثر أنه يستجيب لي رغم أني لا أصلي، فمثلا: سألته النجاح في الباكلوريا، واستجاب وأنا أسوأ خلقه! ولكنني الآن اجترأت على والدتي وقلت لها كلاما جارحا في حالة غضب.

آسفة على الإطالة، وأتمنى أن أسمع منكم كلاما يمحو يأسي وقنوطي من رحمته، وأرجوكم دلوني على الصواب، وكيف أتخلص من عجزي في الصلاة؟ وأتمنى أن تدعو لي بالهداية والصلاح، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خلود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.

وأما بخصوص ما تفضلت به، فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: الندم الذي اعتراك والهم الذي أصابك دليل على خير فيك، واستشعارك نعم الله عليك مع تقصيرك في حقه يدل على ذلك، نسأل الله أن يبصرك الحق وأن يقودك إليه.

ثانيا: الله يحبك -أختنا- ويريد الخير لك، وقد سترك وأمهلك، واستجاب لك حين رحلت إليه، وهذه منة من الله عليك، تستوجب المزيد من الشكر، وأول الشكر فعل ما أمرك الله به واجتناب ما نهاك الله عنه.

ثالثا: نود منك أن تستفيدي من الندم الموجود الآن، وأن تعلنيها توبة لله عز وجل، توبة قبل أن ينكشف ستر الله عليك، أو تنقضي الأعمار فجأة، نسأل الله أن يبارك في عمرك على طاعته، ونريد توبة صادقة صحيحة الآن وفورا -أختنا الفاضلة-، وأنت تقرئين معنا الرسالة أحدثي لله توبة صادقة، واعلمي أن الله يقبل التوبة من عباده، بل يفرح لتوبة عبده، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه. وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) وهذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأملي في الله خيرا، واعلمي أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه: {‏‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} والتعبير بقوله جل شانه: {لا تقنطوا من رحمة الله} يدل على سعة رحمة الله، وعدم يأس المؤمن من رحمة الله عز وجل.

فبادري بالتوبة إلى الله، وأقبلي على ربك، ولا تيأسي من رحمة الله، واعلمي أن الحل بيدك لا بيد غيرك، وأنت تستطيعين التغيير متى ما كنت محتمية بالله.

رابعا: احذري من اليأس، احذري أن يصور لك الشيطان أن الجرم الذي فعلته لا كفارة له ولا منجاة منه، احذري أن يعظم الشيطان الحرام الذي فعلته؛ ليوهمك أنك قد ابتعدت عن الطريق المستقيم، ولن تصلي مرة أخرى إليه، لا، العودة قريبة -إن شاء الله- ولعلك تأخذين من هذه المصيبة درسا لك في قابل حياتك تجنبك العثرات، وقد قال الشاعر:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكان يظنها لا تفرج

خامسا: نريد منك الإقبال على الله عز وجل، وننصحك حتى تعظم الصلاة في نفسك أن تفعلي ما يلي:
1- اجتهدي أن تبدئي الصلاة بشحن نفسي جيد، مستحضرة الآيات والأحاديث التي تقوي العزم، وتعين على الأداء، ومن تلك الآيات:
- {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.
- {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة على الخاشعين}.
- {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}.
- {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.
- {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}.
- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا).
- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر).
- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، اكتبي هذه الأحاديث ومن قبلها الآيات في ورقة أو علقيها على الحائط أمامك، وداومي النظر إليها.

2- استحضري دوما عن طريق القراءة أو التذكر: نعيم أهل الجنة، وجحيم العصاة من أهل النار كلما دعتك نفسك إلى التكاسل.

3- احرصي على أن تقرئي في سير أهل العلم والصلاح، وكيفية عبادتهم لله، خذي مثلا: كتاب علو الهمة، أو كتاب: الإيمان أولا فكيف نبدأ به؟ أو كتاب رهبان الليل لحسين عفاني، هذه الكتب ستفتح لك آفاقا رحبة وتحبب إليك الصلاة.

4- اعلمي أنه لا عقوبة إلا بذنب، فأكثري من الاستغفار والتسبيح والذكر، فإن هذه من أعمال اللسان التي لا تتطلب وقتا مخصصا لها، ولكنها تفيد في صفاء القلب وخلوه من المعاصي والذنوب، فيمكن الإكثار منها في المواصلات وقبل النوم، وفي كل حال.

5- افرضي على نفسك عقوبة إيجابية لكل فرض تكاسلت عنه، المهم أن تكون عقوبة رادعة ومتحملة، فلا ترهقي نفسك بعقوبة تقصم الظهر، ولا تجعليها هينة تعتادي عليها.

6- احرصي على ربط صلتك بأهلك وخاصة أمك، واعلمي أن والديك أحب الناس إليك، وهما من بين سائر خلق الله من يريدان لك الخير بلا مقابل، واعلمي أن أمضى أسلحة الشيطان التي يستخدمها مع الفتيات في مثل عمرك: زرع العداوة أو التفرقة بينهم وبين أهليهم؛ لعلمه بتأثيرهم عليه من ناحية، وحتى يكونوا صرعى له من دون عناء أو جهد، لذلك نوصيك بالعودة إليهما سريعا والتواصل معهما، ولا تتوقعي أنهما سيقبلان عليك إقبال الناجي من الغرق، ذلك أنهم لا يعلمون شيئا مما أنت فيه، ولذلك كوني هادئة في مشاعرك وإقبالك عليهم.

7- نريدك أن توطدي العلاقة بينك وبين والدتك، ونريدك كذلك أن تحكي لها كل ما يخص حياتك، وصدقينا لن يكون أحد في الكون أحرص عليك ولا أحفظ لسرك منها.

8- احرصي على التعرف على بعض الأخوات الصالحات، واجتهدي أن تمكثي معهن وقتا أطول في الوعظ والذكر والدعاء والاقتراب من الله، وعمل الخير.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين، وإنا ننتظر منك رسالة عن قريب تبشرينا فيها بتجاوزك تلك المرحلة إن شاء الله، أو تحدثينا عن أي عقبات ترد عليك، نسأل الله أن يحببك في الصلاة، وأن يصرف عنك الشر وقول الشر وفعل الشر وأهل الشر.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات