السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة، عمري 38 سنة، انفسخت خطوبتي مؤخرا بدون سبب مقنع، وبعدها بحوالي شهرين ونصف ومنذ أسبوع حصلت على وظيفة حكومية بمنصب أستاذة لمدة ثلاث سنوات، في مدرسة ابتدائية لتدريس أطفال ما قبل السنة الأولى، وأنا بهذا الخبر طرت من الفرح، فمنذ تخرجي في سنة 2003 وأنا عاطلة عن العمل، وأراعي أمي في البيت، ولكن المدرسة بعيدة عن سكني، وبدأت العمل، وفي أول يوم جئت متأخرة عن العمل 20 دقيقة، لم تتقبل المديرة تأخري، أضف إلى ذلك أنها كانت تستفزني بكلام وأسلوب لا يعجبني، وتكثر من دخولها المفاجئ على قسمي، وتبدأ بطرح الملاحظات، ومع هذا كنت أتحرك وأتحدث جيدا مع الأطفال وهم بذاتهم أحبوني وكانوا يقبلوني، ولكنها لم تلاحظ هذا الشيء، ولكني شعرت بأني أعمل منذ سنة بسبب استفزازها لي ونظراتها التي لم تعجبني، فأصبت بقلق شديد، وفرحتي الشديدة بالعمل تحولت إلى نكد وحزن.
وعندما تكلمت معها عن التأخير، وأنني أسكن بمنطقة بعيدة، وكل يوم سوف آتي في هذا الموعد، اقترحت علي بأن أدبر مواصلات توصلني للمدرسة أو أستقيل، فاخترت الاستقالة، لأني لم أحتمل سوء معاملتها لي، وأنها احتقرتني وظلمتني، وأنا الآن حزينة أنني ضيعت فرصة عمل جيدة لا تعوض، وكانت سببا في أن أنسى ما حصل لي من فسخ الخطوبة، وأغير جو الروتين والضغط الكئيب الذي أعيش فيه فبماذا تنصحوني؟
المشكلة أنه عندما يحصل معي مواقف من الناس مثل هذا الموقف لا أتحمل وأستقيل بسرعة وبدون أدنى تردد، ثم بعدها أجد نفسي أعاني من البطالة وأندم على مكوثي في البيت، انصحوني ماذا أفعل؟
أنتظر ردكم وتحياتي لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور الإيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع فرج الله همك ويسر لك كل خير.
- بالنسبة لانزعاجك وتألمك الشديد من فسخ الخطبة, فلاشك أن فسخ الخطبة, لاسيما على النساء أمر صعب وحرج نفسيا ومعنويا, وهذه فطرة وطبيعة بشرية لا تلامين أو تعابين عليها, إذا كنت متعلقة بالخاطب معجبة بحسن دينه وخلقه وأمانته وصفاته عامة.
- أما إذا لم يكن الخاطب على ذلك المستوى في الدين والخلق ونحوهما, فإن الشعور بالألم والقهر لا مبرر له, بل إن الفتاة العاقلة قد تحمد الله على هذا الفسخ, والواجب في كلا الحالين أن تحسني الظن بربك إن صرف عنك هذا الخاطب المجهولة أو السيئة صفاته؛ لاحتمال أن يجلب لك المتاعب النفسية والأضرار والمفاسد الدينية والدنيوية المتنوعة, كما قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون), فأحسني الظن بالله – حفظك الله – وعززي الثقة بنفسك, وتحلي بالثقة والأمل والتفاؤل والطموح والإرادة, فما يدريك لعل الله أراد لك خيرا كثيرا بأن ييسر لك زوجا صالحا ولو بعد حين, وصرف عنك شرا كبيرا, ولو كان ظاهر الخاطب الخير والصلاح, فلعله ممن (ظاهر فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم).
- أما بالنسبة لاستقالتك عن العمل نتيجة انزعاجك من معاملة المديرة, فإن الواجب عليك قبل طلب الاستقالة التحلي بالتأني والتريث وعدم الاستعجال في اتخاذ القرارات السريعة والمتولدة عن زيادة الضغوط المحيطة بك أو ردات الفعل الناتجة عن الغضب والتي قد تجعل الفرص النادرة تضيع أمام عينيك لغير مبرر حقيقي وضرورة فتغير مسار حياتك فتندمين في وقت لا ينفع الندم, فالتسرع عدو الحقيقة والدقة والصواب, وفي الحديث الصحيح: (التأني من الله, والعجلة من الشيطان).
ولا شك أن أصوب القرارات ما كان قائما على العقل ومراعاة العواقب لا العاطفة وحدها؛ فهو قرار مفصلي له آثاره السلبية والكثيرة على حياتك, لذا لابد لك من النظر إلى الحلول والبدائل والخيارات الأخرى والتي تنبني على الترجيح بين المصالح والمفاسد, فالقرار الراجح كثيرا ما يشكل أقل ضررا ومفسدة, لذا كان لابد من بذل الجهد الممكن في إقناع مديرة المدرسة بظروفك ومحاولة التبكير إلى العمل ما أمكن, وذلك بالحوار إن أجدى, وإلا فبحسن المعاملة, وتوسيط من تأنسين منهم التأثير عليها والقبول لديها من الجهات المقربة إليها, ممن يتحلون بالحكمة والمروءة, فأعيدي المحاولة إن أمكن معاودتها, أو أمكن إقناعها, وإلا فالواجب عليك الرضا بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى والسعي إلى توفير فرصة عمل ثانية أنسب ما أمكن.
- ومما يسهم في تخفيف حدة الشعور بالألم والهم والحزن, إدراك أن الحياة الدنيا قد طبعها الله على الابتلاء بالمكاره والمتاعب, (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين..). واستحضار ثواب الصبر على البلاء يوم الجزاء (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب), وتذكر ما من الله به عليك من عظيم النعماء في العافية ونحوها (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار).
- أوصيك –أختي العزيزة– بلزوم الدعاء, والصبر والشكر والقناعة والرضا, ولزوم ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصحبة الطيبة, وشغل الوقت والنفس بالنافع المفيد من القراءة والعبادة والأعمال الصالحة فيما يعود عليك بالخير في دينك ودنياك, كما وأوصيك بالترويح عن النفس وفق الحدود المباحة.
- أسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويكشف غمك، ويشرح صدرك، وييسر أمرك، ويرزقك التوفيق والسداد، ويلهمك الصبر والحكمة والثبات والهدى والخير والصواب والرشاد، ويرزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.