السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة سعودية، نشأت نشأة صالحة أحب الله ورسوله كثيرا، ومتعلقة بالرسول تعلقا روحيا شديدا لأخلاقه الكريمة وحنانه.
مشكلتي أنني لا أحافظ على الصلاه، أصلي أحيانا وأتركها أحيانا كثيرة أخرى، لا أدري ما سر هذا البلاء العظيم! مع أني -والله على ما أقول شهيد- لم أرتكب ما يجعلني أخجل أمام أهلي لا في السر ولا في العلن مع أن ذلك ليس بالصعب.
حتى في الإنترنت لم أجرؤ يوما أن أتجه إلى ما يثير الغريزة خوفا من الله (لا أملك الجرأة الكافية لفعل ذلك مع استطاعتي) ..
أتمتع بحب صديقاتي وعائلتي والحمد لله، أكرة الغيبة والنميمة، ولا أحتفظ بالزميلات من هذا النوع إلا بما يستوجبه الدين من السؤال عن الأحوال وإبداء الاهتمام حتى تبقى روابط الحب والعلاقات دائمة.
كل تفكيري متجه إلى الدعوة إلى الله، فأنا حريصة على تثقيف نفسي بطرق الدعوة المختلفة، بالإضافة لاجتهادي بالدعوة في بعض المنتديات المسيحية وأواجه الكثير من حقارتهم وعنفهم في قبول الحق ولكنني أصبر ولا أهتم ..
ببساطه أغلب يومي مكرس في سبيل الدعوة، ومع ذلك فأنا مبتلاة بهذا الداء العظيم وهو عدم المحافظة على الصلاة.
أنا أعرف أن الله يؤتي الإسلام لمن يحب، ولكن ألا أستحق شرف المحافظة على الصلاة مع كل ما أفعل ومع اجتهادي بالدعاء لنفسي وللمسلمين؟!
أرجوكم لقد تعبت كثيرا، حتى هذه الرسالة أكتبها ودموعي منهمرة ..
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة المباركة/ Silver حفظها الله ورعاها.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يأخذ بيدك لما يرضيه سبحانه، وأن يحبب إليك الصلاة، وأن يعينك عليها، وأن يجعلها قرة عين لك، وأن يغفر لك ويتوب عليك، وأن يتقبل منك جهدك وجهادك في الدعوة إليه سبحانه وتعالى، إنه جواد كريم.
إن من أغرب الغرائب وأعجب العجائب أن تسمعي عن شخص يعطي غيره ثيابه ويظل عريانا مكشوف الصورة والبدن كله!
هل سمعت عن شخص فعل هذا في حياتك كلها؟ بالطبع ستقولين: لا، إلا أن يكون غير طبيعي، هذا هو مثلك .
ابنتي العزيز الغالية: لقد آلمتني جدا رسالتك وأحزنتني حرصا عليك ورحمة بك؛ لأن ما تقومين به من الدعوة إلى الله ومنازلة النصارى والصبر عليهم لأمر يستحق الإعجاب فعلا، شابة صغيرة في مثل سنك تقوم بأعمال كبار الدعاة، وسخرت كل طاقتها وإمكاناتها لخدمة الإسلام ودعوة الناس إليه، ورد الباطل عنه، رغم أن بمقدورها أن تكون غير ذلك، إنه لأمر عظيم حقا، وأعظم منه وفي نفس الوقت أن تكون قد ضيعت نفسها وحكمت على هذه الجهود كلها بالإحباط وعدم القبول، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن كانت كاملة كمل سائر عمله، وإن كانت ناقصة نقص سائر عمله)، فما رأيك بنيتي الفاضلة؟
أليس هذا الأمر يدعو إلى العجب والشفقة على صاحبة تلك العقلية الناضجة والجهود الجبارة؟ ثم هل يعقل أن تدعي صديقة لك محبتك وأنها تموت فيك ثم تخالف أوامرك وطلباتك؟ هل ستصدقينها في دعواها؟
أنت يا عزيزتي تحبين النبي صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك لا تصلين كما أمرك، فهل هذا معقول؟
أما سمعت قول الشاعر:
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
بعد هذا كله أقول لك بنيتي الكريمة:
إن الذي تعانين منه وسبب هذه المشكلة هو عدم قدرتك على ترتيب الأولويات، وأخشى أن يكون هذا طبعك دائما في الأمور كلها -أو أغلبها- فالعقل والمنطق يقتضي منا أن نرتب الأمور الدينية والدنيوية حسب الأهمية، وبلا شك أن الصلاة أهم عمل يقوم به الإنسان في حياته، والأدلة على ذلك لا تخفى عليك، وافرضي أن واحدة سألتك عن أهم الأعمال، أو أنها معقدة من الصلاة، فيا ترى ماذا ستقولين لها؟! الأمر فعلا في غاية الإحراج والعجب.
لذا لابد لك من الأمور الآتية:
1- إعادة ترتيب أولوياتك كلها من جديد، ووضع الأهم قبل المهم في كل شيء، وأن تتأكدي من ذلك بقوة؛ حتى لا تضيع عليك فرص كثيرة في حياتك.
2- اجعلي للأهم الوقت الأكبر، ولا تقدمي غيره عليه مطلقا.
3- اعلمي -بنيتي- أن هذا ليس بالصعب أو المستحيل، وإنما ستستفيدين منه في حياتك كلها، وسيكون أداؤك أحسن في جميع الميادين، وهذا متوقف على عزيمتك وإرادتك، فإذا كنت جادة وصادقة مع نفسك، فلا تقدمي المهم على الأهم، وعودي نفسك أن تقولي لغيرك: لا إذا كنت غير مقتنعة، أو ستضحين بوقتك أو مالك لمن لا يستحق، ولا تستحي من أحد مهما كان.
4- أنا على يقين من قدرتك على ذلك، فلا يزين لك الشيطان الباطل، ويوهمك بأنك ضعيفة، أو أن الدعوة والأعمال الصالحة الأخرى ستشفع لك، هذا من كيد الشيطان وتلبيسه، واعلمي أن من لم يعمل بعمله فهو كالمصباح يضيء للناس ويحرق نفسه، فهل ترضين أن تكوني كذلك؟
5- قاومي هذا الفهم وذلك التراخي والتكاسل، وقدمي مصلحتك الشخصية على مصلحة غيرك كائنا من كان.
6- إذا كنت تحبين نفسك وأنها عزيزة عليك فعلا، فلماذا لا تنقذينها من النار وعذاب الجبار؟ ابدئي وسيعينك الله جل جلاله.
7- عليك بالدعاء والإلحاح على الله، ولا تنظري لأعمالك الدعوية على أنها تكفيك عن الصلاة، فهذا خطأ فادح وتصرف غير معقول ولا متصور.
8- اقرئي واطلعي على بعض الكتب أو المراجع حتى ولو كتيبات أو مطويات تساعدك في إقناع عقلك ونفسك بأهمية الصلاة، وتحرك لديك الداعي للاهتمام بها والمحافظة عليها.
9- أما سمعت عن أقوال بعض أهل العلم -خاصة عندكم بالمملكة- بأن تارك الصلاة كافر -والعياذ بالله-، وأن الله لن يقبل منه صرفا ولا عدلا، وأنه إذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث؟!
أما سمعت هذا أو قرأتيه في كتب الفقه وغيرها؟ هل ترضين أن تكوني كذلك، مع أنك الداعية المجاهدة الكبيرة؟
أتمنى أن تعيدي رسم خريطة حياتك من جديد، وأن ترتبي أولوياتك، وأن تحبي نفسك وتحبين لها الخير، وتجتهدي في نجاتها من عذاب الله، وأنا هنا بالموقع أتوجه بالدعاء إلى العلي الأعلى أن يشرح صدرك للصلاة، وأن يحببها إلى نفسك، وأن يجعلها قرة عين لك، وأن يغفر لك، وأن يتوب عليك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وبالله التوفيق.