السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ من العمر (30 عاما) رغبت أمي بشدة بتزويجي من ابنة أخيها، ووالدي كان لا يخفي انزعاجه من هذا الأمر خوفا من والدته "جدتي" التي كانت ترفض هي وأعمامي هذا الأمر بشدة؛ نظرا لبعض الخلافات القديمة بين العائلتين، فصليت الاستخارة عدة مرات وأقنعت والدي بالموافقة وتقدمت مع والدي لخطبة ابنة خالي من خالي، فأبدى موافقته بعد موافقة ابنته، وبعد أن صلت هي أيضا الاستخارة وكانت مسرورة بذلك، وبعد عدة شهور رفضت الفتاة إتمام الخطبة والزواج بحجة أنها صلت الاستخارة مرة أخرى وكانت منزعجة جدا، بعدها وبعد تدخل الأهل لكلا الطرفين عادت لتوافق ولكن ببعض الشروط المباحة التي قد تنازلت عنها في بداية الأمر، فصليت أنا الاستخارة مرة أخرى وبعد أسبوع من التفكير انفصلت من الخطبة بالمعروف ودون حدوث مشاكل بين الأسرتين .
المهم في الأمر أنني والفتاه ملتزمين أكثر من أسرتينا بالدين وكنا متفقين على حل الخلافات بيننا عن طريق الكتاب والسنة ونكن لبعضنا المودة والاحترام حتى بعد الانفصال من الخطبة، وأمي تصر علي مرة أخرى للرجوع لخطبة الفتاة والزواج منها، فهل يحق لي الرجوع لخطبتها بعد أن صلى كلانا الاستخارة قبل أن ننفصل ؟ وهل علي أو على والدي إثم إن أطعت أمي؟ علما أن والدة والدي "جدتي" ترفض ذلك بشدة وستغضب على والدي وعلي وتهدده بعدم الرضا عليه، وهو لا يريد إغضابها وهي امرأة مسنة؟ أنا في حيرة من أمري. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ لؤي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يجمع شمل الأسرة، وأن يؤلف بين القلوب ويغفر الذنوب، ويستر العيوب.
فإن الرجوع إلى بنت الحال خير، ولن يضرك غضب الجدة، وأرجو أن تحاولوا إرضائها، وليس هناك مصلحة في استمرار العداوات مع الأجيال المتعلمة الجديدة، ولن يفرح بقطيعة الأرحام إلا الشيطان، ولا مانع من الرجوع إلى مخطوبتك من الناحية الشرعية، وأرجو أن يكون في ذلك الخير، ونوصيكما بالاحتكام إلى آداب هذا الدين، والارتفاع فوق الجراحات القديمة وتناسي المرارات، وهذا هدى حملة الرسالات، ألم يقل نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لإخوانه بعد سنوات من الجفاء والتقصير في حقه وإدخاله في المتاهات: ((لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين))[يوسف:92]؟ ونسب ذلك الشر للشيطان فقال:
((من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي))[يوسف:100].
ولا شك أن رضا الوالدة ورغبتها في الارتباط بابنة أخيها سوف يعينك على البر بالوالدة، ولا يخفى عليك أن الأم هي المتأثر الأول سلبا وإيجابيا بمواقف زوجة الابن، وأصعب المعادلات هي التوفيق بين الزوجة والأم، وإذا كان الوالد قد ذهب معك وتمت الخطبة فهذا دليل على رضاه، ومن حقه أن يجامل جدتك ويجتهد في إرضائها فهي أمه، وعليه أن يعمل ما يرضي الله.
أما بالنسبة لصلاة الاستخارة الثانية التي قامت بأدائها الخطيبة بعد أن كانت موافقة ومسرورة فلا عبرة بما أعقبها من انزعاج، ولا أعرف لماذا تكررون صلاة الاستخارة بعد أن وفق الله وحصلت الموافقة والتوافق.
وإذا كنت أنت والخطيبة ملتزمين فخير لك العودة إليها وإتمام مراسيم الزواج، وأرجو أن يعين كل منكما الآخر على الالتزام والثبات والاستمرار على طاعة الكريم الغفار.
وقد أسعدني أن الانفصال الأول كان بالمعروف ودون حدوث مشاكل، وهذا تصرف حكيم يشجع على العودة، ولا مانع من مشاورة أصحاب الدين والخبرة ممن حضركم، ولن يندم من يستخير ربه ويستشير إخوانه، ونحن نشكرك على اختيار هذا الموقع ونقدر ثقتك، ونؤكد لك أننا نعيش مع إخواننا مشاعرهم ونتمنى لهم الخير والسعادة والفوز في الدنيا والآخرة.
وأرجو أن يجمع الله شمل العائلة بزواجكم، وأرجو أن تعامل من يرفض زواجك معاملة حسنة، فأولى الناس بالصلة والاهتمام ذو الرحم الكاشح النافر الذي في نفسه شيء، مع ضرورة تقدير موقف الأعمام والتماس الأعذار لهم، والاجتهاد في صلتهم والإحسان إليهم، وأرجو أن تعينك بنت الخال على صلة الرحم وفعل الخير، فإن الشباب الملتزم مطالب بالصبر على أهله والناس.
نسأل الله أن يجمع بينكما على خير، وأن يعينكما على الخير.
والله الموفق.