كيف نوازن بين أمور ديننا ودنيانا؟

0 21

السؤال

السلام عليكم

جزاكم الله خيرا، دائما تأتيني فكرة أن دراسة العلوم الدنيوية من الأشياء التي تلهينا عن الغاية الحقيقية من وجودنا في هذه الحياة، خصوصا أننا تعودنا على قراءة كتب قد تعطينا نظرة سلبية عن كتب الدين التي تجعلنا نزداد وعيا.

خير كتاب هو كتاب الله -عز وجل-، وفيه كل شيء، كما أن الله يسره لنا لنفهمه ونتدبره ونعمل به، ولكن رغم ذلك هناك غفلة كبيرة من الناس، يقول الله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" فهل حقا ما ندرسه في المدرسة يجب أن ندرسه؟

معظم الأشخاص -بل تقريبا كلهم-، صغارا وكبارا، أساتذة وطلابا، في أي تخصص دراسي تجد أنهم قد عاشوا بشكل مبالغ فيه في دوامة الحياة الدنيا.

هل حقا يجب أن يكون هناك شيء في هذه الحياة اسمه وظيفة؟ في نظري الوظيفة تتحكم في الشخص وفي وقته، التجارة خير مع الحرص على طاعة الله ورسوله، الله خلقنا أحرارا وكرمنا، وحملنا في البر والبحر، ورزقنا من الطيبات، وفضلنا على كثير ممن خلق، فلماذا لا نشكر الله تعالى، ونخشع ونصلي الصلوات في أوقاتها، وفي جماعة ونسبح الله في الفترة بين الفجر وقبل طلوع الشمس، وبين العصر وقبل الغروب، لماذا نحبس وقتنا ولا نتحكم فيه، ونهلك أنفسنا ونحن لا نشعر، ونكون من الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

يقول الله -عز وجل-: "ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف"، بمعنى أن الفقر ليس شيئا يجعلنا نحزن أو نخاف من المسقبل أو الحاضر، بل هو شيء قد يبتلينا الله به لكي يصرف عنا شهوات، ومغريات الحياة الدنيا ويقربنا به إليه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب وإنا ليسرنا تواصلك لحسن، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك من كل مكروه.

أخي قد قرأنا رسالتك أكثر من مرة، ووجدنا عدة أفكار بعضها مترابط وبعضها متباعد، ولذلك دعنا نجيب عليك فقرة فقرة:

1- هل دراسة (العلوم دنيوية) من الاشياء التي تلهينا عن الغاية الحقيقية من وجودنا، بالطبع لا نفهم ما المقصودة بالعلوم الدينية؟ وكيف تعطى نظرة سلبية.

إذا كنت تقصد كتبا معينة من التي حرفت الشريعة أو الفلسفية التي تتعامل مع الشريعة بطرق فلسفية، أو الدراسة النظامية التي تعتمد على القشور، أو الدراسة النظرية التي تعمقك في الجداليات وتبعدك عن التطبيق العملي للدين؟ فنحن نوافقك الرأي في ذلك، لكن ليس الكتب وسيلة صد وتلهي عن الغاية إذا كانت صحيحة المعتقد ويقوم بتدريسها علماء ربانيون.

2- هل حقا ما ندرسه في المدارس يجب أن ندرسه؟ نحن لا نعلم ما تدرس، لكن لكل مدرسة منهجها العام الذي يتسق مع توجهات أهلها، وبالإجمال فإن هذه الدراسة في بلادنا إلزامية، فيجب دراستها حتى نتجاوزها، وأما تعليم العلوم الشرعية -فالحمد لله- متاح لك متى ما أردت ، حتى وأنت جالس في بيتك عن طريق الشبكة العنكبوتية، وإن كان لا بديل عن الشيخ المربي.

3- هل حقا يجب أن يكون هناك شيء في هذه الحياة اسمه وظيفة؟ هذا الأمر يختلف من شخص إلى آخر، وهناك من يناسبه العمل الوظيفي وهناك من لا يناسبه، ولذلك لا يجب علينا أن ننكر على غيرنا، والواجب علينا البحث عما يوافق إمكاناتنا وتطلعاتنا.

4- الربط بين عدم الخشوع في الصلاة والوظيفة أو حبس الوقت في عمل ما ربط غير دقيق، فقد رأينا من يجمع بين الوظيفة والخشوع، ومن هو فاقد للخشوع وعنده فراغ وقت قاتم ، وعليه فالخشوع في الصلاة مرتبط بعدة أمور منها: العلم الشرعي، وحسن الوضوء، والإقبال على الله بالقلب، والأكل الحلال، وعدم ظلم الغير ورد المظالم إلى أهلها إن وجدت، وأمور كثيرة تجدها في هذا الموقع -إن شاء الله-.

5- قول الله تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف)، هذه الآية لها سياقها الخاص، فالله يتحدث فيها عن اليتامى الذين لهم أموال وعلى الأموال أوصياء، قال تعالى (وابتلوا اليتامىٰ حتىٰ إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ۖ ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ۚ ومن كان غنيا فليستعفف ۖ ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ۚ فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ۚ وكفىٰ بالله حسيبا).

{وابتلوا} اختبروا {اليتامى} قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أحوالهم {حتى إذا بلغوا النكاح} أي صاروا أهلا له بالاحتلام أو السن وهو استكمال خمس عشرة سنة عند الشافعي {فإن آنستم} أبصرتم {منهم رشدا}، صلاحا في دينهم ومالهم {فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها}، أيها الأولياء {إسرافا} بغير حق حال {وبدارا}، أي مبادرين إلى إنفاقها مخافة {أن يكبروا} رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم {ومن كان} من الأولياء {غنيا فليستعفف}، أي يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله {ومن كان فقيرا فليأكل} منه {بالمعروف} بقدر أجرة عمله {فإذا دفعتم إليهم}، أي إلى اليتامى {أموالهم فأشهدوا عليهم} أنهم تسلموها وبرئتم لئلا يقع اختلاف فترجعوا إلى البينة وهذا أمر إرشاد {وكفى بالله حسيبا} حافظا لأعمال خلقه ومحاسبهم.

6- سؤالك عن الفقر هل يجب علينا أن نخاف منه أو نحزن أو نقلق؟ هذا الكلام له وجهان:

الوجه الأول: إن كنت تتحدث عن الفقير والرضى بالقضاء والقدر فكلامك صحيح؛ لأن الله -عز وجل- له حكمته البالغة في كل شيء، فقضاء الله سبحانه دائر بين العدل والفضل، وأنه -سبحانه- لا يظلم أحدا من خلقه مثقال ذرة، وأن الله -جل وعلا- حكيم، لا يقضي إلا ما له فيه أتم الحكمة، وله عليه أتم الحمد، ومن آمن بذلك فلا يحزن ولا يقلق.

الوجه الثاني: أن يكون الحديث منصبا على أصل الفقر، وعن القعود عن العمل والجهد بدعوى أن الفقر لا يقلق فهذا ما لا نوافقك عليه، نعم المال الصالح للرجل الصالح، وإذا صار هذا منهجا عند الجميع فقد عطلنا فريضة الزكاة وهي أحد أركان هذا الدين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الفقر فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم)، وفي رواية: (من الفقر، والفاقة، والقلة، والذلة، والعيلة)، وهذا يدل على أن الفقر كأصل مما يستعاذ منه.

نرجو أن نكون قد فهمنا مرادك وأجبناك بما يذهب حيرتك، ونحن إخوانك فراسلنا في أي وقت.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات