السؤال
لي عمة غير متزوجة؛ وذلك بسبب أنها ليست طبيعية من ناحية النمو، ولتربية خاطئة.
ليس لديها أي شغل في الدنيا إلا مشاهدة التليفزيون والنوم -الحمد لله الذي عافانا-.
حاليا: توفي جدي وجدتي، وتركت مسؤوليتها لأبي، والدتي تقبلت في البداية سكناها في بيتنا في شقة مخصصة لها، وقسما بربي بذلت لها أضعاف ما تبذل لنا، وكنا نسهر الليالي لتنظيف الشقة وترتيب الأثاث.
في النهاية طلبت منها أمي فقط أن تدخل وتستحم، فذهبت لتشتكيها لعمتي الأخرى للأسف، ونقلت أختي الصغيرة بدون علم العواقب المكالمة لأمي، فقررت أمي عدم فعل أي شيء مرة أخرى، وأنها لا تريد رؤيتها، وقررت تغيير المعاملة معها؛ لأنها رأت أنها تتظاهر بالغباء، ثم عندما تتكلم مع عمتي الأخرى تتطاول أحيانا في الكلام.
والدي يعاملها بلطف ولين شديد، حرصا على مشاعرها، وبسبب ذلك يمكن أن يقصر في حقنا، بات في الآونة الأخيرة مشغولا جدا عنا، يخدم عمه على الرغم من أنه لا يحتاج، فلديه من الأبناء -ما شاء الله- ستة، ومعه مال كاف لشراء كل شيء.
كان يذهب إليه كل يوم ويجلس بالساعات، واعترضت أمي على ذلك؛ لأنه أصلا عندما يرجع إلى البيت سيعمل على الكمبيوتر طوال الوقت، وهاتفه لا يكف عن الرنين، وأمي لا تطيق ذلك، بتنا في خلاف دائم بسبب ذلك!
بعد كل ذلك لدي أسئلة:
هل يجب أن يجلس أبي مع عمتي بعد كل صلاة؟ هل هذا عدل؟ هل صلة الرحم تقتضي كل هذه الزيارة، ويتركنا ويأتي على مشاعرنا لأننا يفترض علينا أن نعقل، ولكن ذلك لا يمنع كوننا بشرا؟ وهل زيارة عمه واجبة عليه حتى ولو بشكل أسبوعي؟ هل إذا اعتزلت أمي أبي تعبيرا عن ضيقها أتدخل أنا لردها؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يعينك على ما أنت مقدمة عليه من خير، فنعم البنت الصالحة التي توفق في الإصلاح بين والديها وتسعى في ذلك، جعلك الله دوما مفتاح خير، مغلاق شر.
أختنا الكريمة: دعينا نتجاوز ما ذكرت إلى سؤالك مباشرة، فالحديث عما يفعله الوالد قد نختلف حوله، وقد يختلف حوله حتى بعض أهلك، فمن نظر إلى بره بأخته التي تعاني الموت ولا يشعر بها أحد، وربما تهرب هي من الحياة بالنوم أو شره الطعام، أو أصابها مرض الكسل حتى أقعدها عن كل خطوة إيجابية، ففعل الوالد معها يدل على نبله وأصالته، وصلته للرحم يدل ذلك على صلاحه وتقواه، نسأل الله أن يكون أكثر مما نظن.
نقول -أختنا- من نظر من هذا الجانب مدح والدك، ومن نظر من الجانب الآخر وهو إهماله أو تقصيره في حقكم ربما عاتبه، وربما قال عنكم بأنكم مبالغون في الحكم، فمن يكون مع أهله كذلك يكون هو وزوجه وأولاده أكثر، لكن الأخير يريد المزيد، أو يريد أن يأخذ اهتماما أكثر.
لذلك دعينا من الحكم على ما فعل لننتقل إلى سؤالك الذكي، وهو الطريق إلى الإصلاح، أو الاجتهاد فيه.
أختنا الفاضلة: والدتك -حفظها الله- فيها خير كثير، وقد خدمت (عمتك) دون أن تتملل، بل قدمت حقها على بعض حقوقكم، وهذا يدل على نبلها العالي وكريم أخلاقها، ومن هنا يجب أن نبدأ.
إننا لا نريد ولن نسمح لفجوة بين الوالدين، هذا ما ينبغي أن يكون هدفك الرئيس، وحتى نصل إلى هذا الهدف لا بد من العمل على خطين:
أولا: إيقاظ الإيمان الحي عند الوالدة بكثرة (تذكيرها) بفضل من أعان مسلما، فكيف لو كان قريبا، تذكيرها بأن صلة الرحم على الوالد واجبة عليه، ولها فوائد وبركات تعود على بيته وأولاده وزوجته، يكفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه).
ذكريها بأنها شريكة الوالد في بره بأهله وصلة رحمه؛ لأنها أعانته على ذلك، ولا بأس هنا أن (تعددي) لها بعض تلك الفضائل والتي منها:
1- غفران الذنوب والمعاصي، فقد ورد في الحديث: (أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة؟ قال هل لك من أم؟ قال: لا، قال: هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها).
2- الوقاية من ميتة السوء: فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه).
3-الفوز برضوان الله تعالى: فعن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن أعرابيا عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أحد أسفاره، فسأله عن عمل يقربه من الجنة، ويباعده عن النار، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم).
4-جلب صلة الله ومعونته: فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فاقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.
5-الزيادة في مال الإنسان، واتساع رزقه، وكثرة الخير لديه، ذكريها أنها شريكة الوالد في هذا الخير، ولعل الله يدفع عنك وعنها وعن بيتكم السوء بسبب ذلك.
هذا الجانب الإيماني مهم جدا للوالدة؛ لأنه سيعينها على التحمل، واحتسابها الأجر سيساعدها.
ثانيا: في المقابل لا بد من رسالة واضحة للوالد حفظه الله، يخبره بها أحب الناس إليه منكم، أو من أصحابه ممن تثقون فيه، أو من شيخ الجامع لو عقد خطبة جمعة عن وجوب حق الزوجة والأولاد.
بهذا المنهج نبتعد عن التدمير ونقترب من التعمير، وهذا هو واجبك الآن، وقد اختصك الله به، فلا تفرطي فيه، وإنما هما أبواك عيناك، فاجتهدي ألا تقع أي مشكلة بينهما.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يهدي والديك، وأن يصلحهما، والله الموفق.