السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على التعاون، وجزاكم الله خيرا.
لدي شهادة جامعية، تخرجت منذ ست سنوات، وعملت لفترة صغيرة في عدة أماكن، ولم أستطع الحصول على عمل مستقر رغم اجتهادي وتفاني في العمل، الحمد لله الذي وفقني على إيجاد الطريق إليه، فأنا أحاول الاجتهاد في العبادات.
إخوتي في الله: لاحظت في حياتي شيئا صعب علي فهمه، حالي متوقف نهائيا، فكلما لجأت إلى الله أكثر ودعوته يظهر لي وميض فرج وأفرح كثيرا، وأشعر أنها معجزة، وأكثر من العبادة؛ لكن والله ذلك الوميض ينطفئ بعد يوم أو يومين، وتكرر ذلك معي أكثر من مرة حتى أصبحت لا أفرح لو ظهر شيء جديد في حياتي.
سأقول لكم الرؤيا لتتضح الصورة: بكيت ودعوت ربي في العصر، وفي اليوم التالي حصلت على فرصة عمل لا أحلم بها، ولم يتم الأمر بعدها، بعد أيام كنت سجلت لشهادة جامعية أخرى، واجتزت الاختبار من بين (400) شخص ونجحت، وتم منعي من إكمال الدراسة هناك لسبب إداري، بكيت ودعوت ربي كثيرا، وبعد يومين على الأكثر ظهرت لي حوالي ثلاثة مناصب عمل ولم أستطع الحصول عليها، دعوت الله وبكيت وظهر لي أكثر من عريس وبعدها اختفوا جميعا.
تكرر ذلك معي أكثر من مرة خلال سنتين فقط، أقسم بالله أهلكني هذا الأمر كليا، صحيح أنني أعاني من السحر، لكني أسعى بكل الطرق للشفاء، ويقيني بربي أكبر، فلا أشتت تفكيري بهذه الأمور.
ربما تساءلتم هل لي ذنب في الخفاء، أو دين، أو مال حرام؟ راجعت كل هذه الأمور قبل مراسلتكم، لست أحسن الخلق في عبادة الله، لكني أجاهد نفسي بكل ما أستطيع، ربما أجد عندكم ما يخفف عني، أقسم بالله أنني في دوامة، لجأت إلى الله ولم أشك لمخلوق، أول مرة أشارك هذا الأمر مع موقعكم، هل حدث وسمعتم بقصة تشبه قصتي؟
دلوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا أن نكون أول من تحدثينه عن مشكلتك، وإنا نسأل الله أن نكون عونا لك ولأخواتنا على السير إلى الله سالمين غانمين:
أختنا: دعينا نبدأ حديثنا من آخر جملة ذكرتيها: (هل حدث وسمعتم بقصة تشبه قصتي؟) نعم -أختنا- سمعنا عن قصص كثيرة جدا تشبه قصتك، وبعضها أشد من قصتك.
كانت لشاب منذ نعومة أظفاره وهو يتطلع لأن يكون من المبشرين بالجنة، ما ترك صلاة الفجر في المسجد منذ أن كان عمره (11) عاما، لم يترك النافلة، لم يترك قيام الليل، لكنه ما دعا دعوة واستجابها الله؟ سأل الشاب أحد المشايخ، فقال: لعل مالك من حرام؟ الشاب والده رجل عالم وشيخ صالح، والمال الحرام لا يدخل بيته، دعا الله أن يوفقه في عمل، فلم يوفق، واجتاز العمل جار له أقل منه خلقا ودينا وعلما، دعا الله أن يسافر إلى بلد ما وتقدم هو وزميل له، وهو قد حصل على امتياز في دراسته الجامعية، وزميله حاصل على جيد، وقبل زميله ولم يقبل هو؟ دعا الله أن يتزوج فتاة معينة، ومعروف عنه الدين والخلق وكذلك هو طبيب ومتميز، ولكن وافق الجميع إلا الفتاة، ثم بعد فترة تزوجت الفتاة من شاب متدين لكنه مدرس.
فقلنا له ما نقول لك الآن: الله يحبك، نعم أعيدي قراءتها: الله يحبك -يا فاطمة-، وكرريها وافرحي بها واسعدي (الله يحبني)، أنا الفتاة المسكينة، الله من فوق سبع سماوات يحبني أنا؟ نعم يحبك، وسنجيبك كيف ولكن بعد أن ننهي لك قصة -أخينا الطبيب- أنهينا معه الاستشارة قبل تسع سنوات، وأخبرناه أن الله يحبه، وأن الله يبتليه ليرى منه أيصبر أم لا؟ صبر الشاب، وراسلنا قبل سنتين ليخبرنا بالتالي:
1) - تزوج طبيبة ماهرة حافظة لكتاب الله طيعة دينة ما رأت عينه مثلها.
2) - عين في مشفى كبير، وأصبح أشهر طبيب فيه.
3) - رزق خدمة والده ووالدته واليوم يعيشون جميعا في بيت واحد.
ثم المفاجأة:
1) - زميله الذي سافر إلى بلد ما حدث فيها حرب وقد توفاه الله فيها.
2) - العمل الذي دخل فيه جاره ثبت فيه اختلاس وتعرض الجميع للمحاكمة، وتم تبرئة الشاب ولكن بعد سنين من المعاناة.
3) - الفتاة التي تزوجها المدرس لا تنجب واضطر زوجها للزواج عليها بعد ثلاثة أعوام.
أختنا: ما الذي يحدث؟ ماذا تفهمين من تلك الرسائل؟ أليست واضحة الدلالة في أن الخير والشر لا يعلمه إلا الله، وأن الله إذا أحب عبدا صرف عنه ما يكره وإن أحبه؟ أليس هذا قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم).
أختنا الكريمة: خذي هذه القاعدة من سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله إذا أحب عبدا أصاب منه)، ولذلك كان أحب الناس عند الله -وهم الأنبياء- أكثر الناس بلاء، وأنت تعلمين -أيتها الكريمة- أن الحياة جبلت على البلاء: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، ولا بد لكل إنسان أن يصيبه هذا البلاء بأي وجه من الوجوه، كما قيل:
جبلت على كدر وأنت تريدها ** صفوا من الآلام والأكدار
ومكلف الأشياء ضد طباعها ** متطلب في الماء جذوة نار
والمسلم له فلسفة في التعامل مع مثل هذه الابتلاءات، إنه يجتهد في دفعها قدر الطاقة، وما وقع من بلاء يصبر عليه وهو له خير كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
وعليه -أختنا- فما يحدث معك أمر طبيعي لا تقلقي منه، وأري الله من نفسك خيرا، واعلمي أن الله يصرف عن الإنسان من الشر أضعاف أضعاف ما يعرف، فاحمدي الله وأشكريه ولا تتوقفي لحظة عن الدعاء، ولا تتعجلي الإجابة، فقد حذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الاستعجال، ففي الصحيحين عن أبي هريرة: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلا، أو فلم يستجب لي).
وفي رواية لمسلم: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: (قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)، وقوله: (فيستحسر)؛ أي: ينقطع عن الدعاء.
فاستجابة الله تعالى لمن دعاه واقعة، هذا وعد الله الذي لا يتبدل، ولكن الاستجابة تتنوع:
1) - أحيانا تقع بعين ما دعي به.
2) - وأحيانا تقع بعوض هو خير له.
3) - وأحيانا تدخر للعبد يوم القيامة.
فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)، قالوا: إذا نكثر، قال: (الله أكثر).
نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأنت هنا في إسلام ويب، بين أهلك وإخوانك، راسلينا متى شئت والله الموفق.