نزل بي البلاء وضاقت نفسي، فماذا أفعل؟

0 71

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 21 سنة، قبل 13 شهرا ابتلاني الله بابتلاء عظيم أكاد لا أطيقه، أعلم أن قضاء الله نافذ، وأحاول أن أرضى وأصبر، ولكنني لا أقدر، وكثيرا ما أجد نفسي ضيق الصدر وأبكي مما حصل لي، أشعر بالهزيمة، وألوم الناس، وأشعر بندم لا يطاق، وأعاني من صعوبة النوم، ولا أستطيع التوقف عن الحزن الشديد، وأجد نفسي غالبا عالقا في دوامة ماذا لو فعلت كذا أو كذا؟ أستعيذ بالله من الشيطان وأذكر الله، ولكنني لا أستطيع منع نفسي من الغضب والحزن والندم، أريد كسب أجر الصبر والرضا، ولكني أريد أيضا أن أعيش حياة أفضل، فما العمل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يعفو عنك، وأن يصرف عنك ما تجد من ابتلاء، وأن ينفس كربك، وأن يفرج همك إنه ولي ذلك ومولاه.

أخي: كل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية، إذا سلم دينك فما يضرك بعده شيء، وإذا ذهب دينك فما ينفعك بعده شيء، وإنا نسأل الله أن يصبرك على ما ابتلاك، وأن يوجد لك منه فرجا ومخرجا.

أخي: اعلم -يرعاك الله- أن الابتلاء سنة ماضية، وأن الله يبتلي عباده لحكم يجهلونها أو يجهلون بعضها، وما أنت فيه من ابتلاء قد يكون لغيرك عافية، فمريض القلب هو في عافية بالنسبة لمريض السرطان، ومريض السرطان الذي يجد دواء هو في عافية بالنسبة لغيره الذي لا يجد علاجا، ومريض السرطان الذي لا يجد علاجا هو في عافية عند الرضا من غير الساخط على الله عز وجل، الشاهد إن كان الابتلاء في المرض فهناك من هو أشد منك حالا وصبرا، وإن كان في المال، فهناك من هو أفقر منك ورضي، وكلما افترض العبد ذلك وجد الدافعية عنده للصبر، فلسنا وحدنا المبتلين، بل اعلم أن الدنيا كلها دار كدر وابتلاء، الله خلقنا لأجل ذلك، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) وقال الله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (157) .

ثم اعلم أرشدك الله للخير أن أكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"، والابتلاء من السنن الكونية، ووقوع البلاء على الخلق اختبار لهم، وتمييز بين الصادق والكاذب، وعليه فالابتلاء فتنة مرادة كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) وقال تعالى: ( الم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون).

لكن عظم أجر الصابر عند الله عظيم، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".

أخي الكريم: اعلم أن الناس أمام البلاء قسمان:
1- قسم يتصور أن ما فيه نهاية الحياة، وأنه لم يبتل أحد بمثل ما ابتلي هو به، وهذا يدفعه إلى الغرق في مشكلته ظنا منه أنه أبأس الناس وأشد الناس ظلمة وأكثرهم ابتلاء، وهذا لا تجده إلا منزويا أو منعزلا أو شاكيا حاله، أو ساخطا على المجتمع، المهم أنه يظل في تلك الدائرة، وقطار عمره يسير وهو لا يشعر، حتى إذا بلغ الخمسين بدأ يدرك أن مشكلته كان لها حل، ولكنه أدرك ذلك في مرحلة أصبح التداوي معها ثقيلا على النفس؛ لأنه يحتاج إلى عامل الوقت، وقد فر الوقت منه، وأنت ابن العشرين والحياة أمامك ممتدة، وتستطيع أن تتجاوز -بأمر الله- ذلك.

2- القسم الآخر وهو القسم الناجح: يحدد المشكلة بهدوء، ويعلم أن هذا طبيعة الحياة، وأن البلاء مهما عظم له حكمة وله مخرج، فإذا غلبه الهم والحزن جعل منهما دافعا إلى التغيير، فهو في خاصة نفسه يعلم أنه ما ابتلي إلا لحكمة، ولا صبر إلا بعون، حتى الصبر يحتاج إلى عون الله تعالى له، هذا العبد يبدأ فورا دون يأس أو تسخط في استخدام كل الملكات الخاصة به، فيحصر المشاكل، ويبدأ بما يمكن علاجه، ويستعين بعد الله بأهله ومجتمعه، وما لا يمكن علاجه يتعايش معه، وهذا لا يمر عليه يوم إلا وهو يحقق إنجازا ولو كان بسيطا.

أخي الكريم: لأجل أن تكسب الرضا كما طلبت، وأن تعيش الحياة الأفضل كما أردت، لابد أن تعلم أن الرضا بالقضاء والقدر، واحتساب الأجر هو النجاة لا غير، ونحن هنا ندعوك حتى يثبت هذا في قلبك إلى ما يلي:
1- قراءة باب القضاء والقدر من كتب العقيدة.
2- جدولة الابتلاءات والمشاكل كلها، وما كان قابلا للعلاج فابدأ به، وما لم يكن قابلا فاستعن بالله عليه وتعايش معه.
3- زيارة المشافي والمرور بين أهلها.
4- البحث عن صحبة صالحة على أن يكون من بينها من يتعامل بإيجابية مع الأحداث.
5-الخلوة مع الله تعالى، والدعاء له، واعلم أن الدعاء كله مستجاب ولكن وفق مسارات محددة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: والله أكثر).

هذا هو الطريق -أخي الكريم-، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يصرف عنك ما حل بك، ونحن إخوانك راسلنا في أي وقت، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات