خطبها لنفسه بدل أن يخطبها لولده!!

0 28

السؤال

ابن يحضر ماجستير بالخارج، ويحب فتاة معينة، هي زميلته منذ زمن، فطلب من والده أن يذهب ويطلب له يدها، رفضت الفتاة، ولكن الابن أصر على والده أن يحاول معها ومع والدها.

تطورت العلاقة بين الأب والفتاة، وأصبح إعجابا متبادلا، وفي النهاية تزوجها الأب دون علم ابنه، وعندما عاد الابن وعلم بالموضوع غضب غضبا شديدا، ورفع صوته على والده، ولم يمكث في بيت والده سوى يومين، وحجز طائرة وسافر مرة أخرى، وظل لمدة سبعة أشهر لا يكلم أحدا من عائلته، وخصوصا والده.

بعدها أصبح يتحدث معهم ببرودة، وتزوج الابن دون علم أبيه، عنادا له، وعاد ليحضر زفاف شقيقته، وصدم الجميع عندما علموا أنه تزوج دون علمهم، وخصوصا الوالد، وبعدها تحدث الأب والابن، وقال الأب: لماذا لم تخبرني؟ فقال الابن أخبرك لماذا؟! حتى تأتي وتسرقها كما سرقت الفتاة التي أحبها! وطلب الابن منه ألا يتدخل في حياته مرة أخرى، وأنه مهما حدث فإنه والده، ولا يمكنه مقاطعته أو أذيته، لكن يستحيل أن تعود العلاقة الودية بينهما كما كانت من قبل، وخاصة أن الابن قرر البقاء في الخارج، وعدم السكن بالقرب من والده، بسبب حرقة قلبه، مما فعله والده.

هل يجوز للأب أن يفعل ذلك، بأن يطعن ابنه في ظهره، وهو من كان يعتبره مثله الأعلى، وقدوته في كل شيء؟ هل يحاسب الابن على كراهيته لأبيه بعد تلك الحادثة؟

علما أنه لن يقوم بعقوقه أو بقطع الصلة معه، وإذا طلب شيئا سيلبيه له، ولكنه سيعيش بعيدا عن والده؛ لأنه لا يريد البقاء بالقرب منه، ولا بالقرب من زوجته الجديدة، فهل للابن أن يعيش بعيدا عنه أم لا يجوز؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أخي: نحن نستشعر الألم الذي أصاب هذا الشاب، وندرك جيدا أنين كلماته، ونحمد الله في ذات الوقت استشعاره معنى الأبوة، وإيمانه بأن البر واجب عليه، وإن أخطأ أبوه، وأن صلته بالمعروف فرض وإن أصابه المكروه منه.

كما نحمد الله بأن الشيطان المتربص به والحريص على قطع صلته بوالده لم ينجح في تحقيق هدفه، وتلك مزية منحه الله إياها وثبته عليها، ونسأل الله أن يزيده من فضله.

أخي أحمد: دعنا ابتداء نؤسس لبعض المسلمات قبل أن نجيبك:

المسلمة الأولى: أن قضاء الله وقدره لا يغيره هوى عبد، وما قدره الله لك أو عليك مكتوب في اللوح المحفوظ، قبل أن يخلق الله السماوات والأرض، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء) وهذا يعني أن من أرادها زوجة ليست له سواء تزوجها والده أم لا، هي -يا أخي- في تقدير الله لغيره، ومن كتبها الله له زوجة هي التي معه اليوم، فلم يتغير قضاء الله وقدره بفعل أحد.

ثانيا: أقدار الله لا تنفك عن حكمته، وهي الخير للعبد وإن لم يفطن لذلك، ولعل هذا بعض قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، وعليه فمن قدرها الله زوجته هي الخير له.

ثالثا: العين ترى غير المقدور عليه على غير ما عليه، انتبه لهذه الجملة -يا أحمد- وأعد قراءتها ثانية وثالثة؛ لأن تذكرها حين يحدث خلاف بين الشاب وزوجته الموجودة -وهذا أمر طبيعي- سيأتيه الشيطان معظما له ما فات منه، موهما أنه لو كانت الأولى معه لما فعلت به ما فعلته الثانية!

هذا -يا أخي- منهج الشيطان في تحزين ابن آدم، وإلا فالأصل أن البيت لا يخلو من مشاكل، وتلك أمور طبيعية، ولو كان هناك بيت واحد يصح أن يكون بلا مشاكل لكان بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يحدث.

رابعا: الخطأ لا يمسح المحبة ولا يلغيها، فالأب مفطور على محبة ولده، والولد بلا شك يحب والده، وحبه في قلبه قائم، وإن أخطأ في حقه، ولعله اليوم أب ويدرك معنى الكلمة تلك، فلا ينبغي أن يجعل الخطأ الواقع مذهبا للفطرة القائمة أو جالبا للكراهة.

خامسأ: الإحسان إلى الوالد والبر به ليس معاوضة، بل هو واجب شرعا وإن دعاه للكفر، واجب شرعا وإن أكرهه وجاهده على الشرك به، كما قال الله تعالى: ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).

أخي أحمد: الآن نجيبك على أسئلتك تباعا:

1- هل الوالد أخطأ في حق ولده بزواجه من الفتاة؟ الحق أن هذا السؤال صعب، ولا نستطيع الإجابة الحاسمة، لأننا لم نسمع الطرف الآخر، ولا ندرك حيثيات ما حدث، لكن في المجمل كان ينبغي للوالد أن يحدث ولده في كافة التفاصيل، ويبين له ما حدث بالتفصيل.

2- هل طعن الوالد ولده في ظهره؟ بالطبع لا، ولا ينبغي أن يقال ذلك في حق والد مع ولده؛ لأن الطعن غدر مقصود، وأما الخطأ وخاصة من الوالد فليس غدرا، ولن يكون، يبقى في دائرة الخطأ لا الغدر.

3- هل يأثم إذا ابتعد عن أبويه لعدم قدرته على التعايش معه مع أنه سيبره؟ لا يأثم بذلك ما دام الوالد عنده من يرعاه، وما دام البر قائما ولو في الحد الأدنى، وإن كنا لا نود من الشاب ذلك، بل نود منه تجاوز ما كان، ويتذكر أن لوالده حقا عليه؛ فإن لم يستطع العودة فعلى الأقل أن يكثر من التحدث إليه، وليعلم الشاب بأن الأب راحل عنه، تلك سنة الحياة، وسيجد في رحيله حزنا لا يهدئه إلا ما كان من بره به، فليحسن إليه ما استطاع، وليحذر أن يكون طعما للشيطان في ذلك أو أسيرا لخطأ وقع فيه أبوه، فينحدر للعقوق دون أن يشعر.

كما لا يخفى عليك -يا أحمد- أن حق الوالد على ولده عظيم، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لا يمكن أن يفيه حقه إلا في حالة واحدة، ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا، فيشتريه فيعتقه)،أي لا يقوم ولد بما لأبيه عليه من حق، ولا يكافئه بإحسانه به إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه.

الشاب هذا فيه خير كثير؛ لذا نرجو منك -أخي أحمد- أن تتواصل معه، وأن تقوي نزعته الدينية، وحرصه على عدم العقوق، فلا شك أن ألم والده لفراقه أعظم من ألمه هو الفائت، وإن كان له حق في استشعار الألم، اجتهد أن تكون جسرا بين الابن وأبيه، وخاصة والشاب -الحمد لله- في تدين وصلاح، وذكره دائما بأن البر إرث مسترد، وما يفعله من خير سيرده الله له في صلاح ولده وبره به.

نسأل الله أن يبارك فيك وفيه، وأن يصلح ما بينهما إنه جواد كريم.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات