السؤال
السلام عليكم.
أشعر أني في ورطة وعذاب، وأن باب التوبة قد أغلق أمامي، وكلما استغفرت وناجيت الله شعرت بغضب الله، وحدثت لي أمور سيئة بنظري، ولم أعد قادرا على البكاء، وأرى أحلاما ورؤى أخاف تفسيرها، وأعتقد أني خالد في جهنم، وأن سوء الخاتمة بانتظاري، وأنا الآن مقيد مريض، وأصابني وهن وضعف في قلبي، واعوجاج طفيف في عيني اليسرى، وأشعر بذنوبي في أجزاء جسمي، وأخاف أن أقول ما هي ذنوبي!
أحتاج إلى شرح مطول؛ لأني أعتقد أن الله ألهمني أمرا مباشرا عن طريق مكاشفات في دماغي فقط عدة مرات، لكني لم أطعه؛ لذا سلط الله علي عذابا يزداد كلما استغفرت أو توجهت إليه، وأنا لا أقوى على عذاب الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أشرف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله تعالى أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرفع عنك ما حل بك، وأن يتوب عليك، وأن يصلحك، إنه جواد كريم.
أخي الكريم: دعنا نقسم سؤالك إلى نقطتين:
الأولى : هل يقبل الله توبتي بعد كل ما فعلته، وبعد كل الرسائل الإيجابية التي أهملتها؟
الثانية: سوء الخاتمة.
أما أولا: فاعلم أن الله ما فتح لك باب التوبة إلا وهو يريد أن يتوب عليك، برغم كل ما ارتكبت من آثام ومن معايب فإن الله يقبلك متى ما صدقت توبتك وأحسنت العلم.
ومن خلال حديثك فإن لك قلبا فيه من النور والخير ما يطمئنك، فلم تستطع تلك المعاصي التي ذكرت أنك فعتلها أن تطفئ حبك لله وخوفك منه، وهذا إن دل فإنما يدل على إرادة الخير في داخلك، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة؛ لذا كن على يقين بأن الله يغفر الذنوب جميعا، وأن الله يقبل توبة التائبين، باب التوبة مفتوح، فلا تيأس ولا تظن أنك بعيد عن الله -عز وجل- بل إنا نجيبك بما أجاب به العالم للسائل الذي قتل مائة نفس، حين قال له بعدما يئس من التوبة: هل لي من توبة؟ فكان جواب العالم: ومن يحول بينك وبين الله؟ ونحن نكررها لك، أنت عبد وهو رب، وقد وعدك بقبول توبتك فانهض وأقبل عليه، واعلم أن التوبة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" الندم"، ومعناها الرجوع عما يكرهه الله من العبد ظاهرا وباطنا، فهي كما قال ابن القيم: بداية العهد وخاتمته استجابة لأمر الله، قال تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا).
واعلم أنها:
- سبب فلاحك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون).
- وهي الجالبة لمحبة الله لك، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
- وهي سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا).
- وهي سبب لنزول البركات من السماء، وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين).
- وهي من أسباب تكفير سيئاتك وتبديلها الى حسنات، قال سبحانه:(إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).
أخي: اعلم أن الله يفرح لتوبتك، نعم يفرح الله لتوبة عبده العاصي وإقباله عليه، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح )، وهذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأمل في الله خيرا، واعلم أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)، والتعبير بقوله جل شانه: (لا تقنطوا من رحمة الله)، دال على سعة رحمة الله فلا تيأس.
أما النقطة الثانية: وهي خوفك من سوء الخاتمة، فإن هذا أمر جيد أن يخاف الإنسان وأن يحذر سوء الخاتمة، المهم ألا يدفعه ذلك إلى اليأس من رحمة الله، أو يدفعه الخوف إلى إساءة الظن بالله عز وجل،
فلا تظنن بربك ظن سوء.. فإن الله أولى بالجميل.
أحسن ظنك في الله، واعلم أن البلاء الذي أنت فيه دليل عافية متى ما استقمت على الطاعة، وصبرت على البلاء، وأحسنت الظن بالله عز وجل.
وأخيرا: نوصيك بما يلي أخي:
1- تب إلى الله -عز وجل- مما كان منك، وعاهد مولاك على عدم العودة، وانطلق دون أن تلتفت إلى الوراء.
2- أوجد لك صحبة صالحة؛ فإن المرء بإخوانه، والذئب يأكل من الغنم القاصية.
3- اجتهد في طلب العلم الشرعي؛ فإن العلم صيانة وحفظ.
4- حافظ على صلاتك في المسجد وعلى النوافل، وداوم على الأذكار؛ فإنها حماية ووقاية.
5- أكثر من الظن الحسن؛ فإن الله عند حسن ظن عبده به.
وأخيرا: الزم الدعاء؛ فإن فيه الفرج -أخي الكريم-.
نسأل الله أن يوفقك وأن يسعدك وأن يعافيك، والله الموفق.