السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 22 سنة، وقعت في حب فتاة جميلة أصغر مني، وأنا لا أستطيع أن أتزوجها بسبب أوضاعي المادية، مشكلتي أن قلبي تعلق بها كثيرا، حاولت نسيانها والابتعاد عنها، ولكني فشلت، وكلما تأتي مع والدتها لزيارتنا أحاول تجنب النظر إليها، ولا أتحدث معها، ولكني أشعر بالألم في قلبي، لا أريد الإطالة ولكني أريد حلا.
علما بأن الفتاة تأتي كل سنتين مرة وتجلس في منزلنا لمدة شهر. أنا أعلم أن الله يغار إذا تعلق قلب العبد بغير الله، ولكن مشكلتي أني لا أستطيع إخراجها من قلبي.
أرجو الإفادة من خبرتكم -جزاكم الله خيرا-، والدعاء لي، فأنا الآن أعيش بمرحلة صعبة جدا.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الفاضل- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
نحن نحمد الله إليك تدينك الذي عصمك من الهوى، وعصمك من الوقوع في الزلل، ونتفهم تماما ما تمر به، نتفهم هذا الصراع الذي لا يراد له أن يهدأ في صدرك، ونعلم يقينا صدق مشاعرك التي يراد لها أن تنمو في فراغ حتى لا تسكن ولا تهدأ، وما يسر به الشيطان إليك من عجز عن التغيير أو أمل في النجاة، وكل هذا وهم مصنوع فأنت بالله أقوى، وهو أضعف منك، فاطمئن وانتبه -يرعاك الله تعالى- إلى النقاط التالية:
أولا: اعلم -علمك الله ما يصلحك- أن زوجتك لن تكون لغيرك، وأن من كتبها الله لك لن يأخذها أحد سواك، ولو اجتمع أهل الأرض كلهم على ذلك، هذا الاعتقاد وحده كفيل أن يذهب عنك نصف ما تعانيه من آلام؛ لأن قلبك سيسكن ساعتها ويرتاح، روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء"، وهذا يدعوك إلى الاطمئنان والهدوء.
والنصف الآخر كامن في إيمانك بأن اختيار الله لك أفضل من اختيارك، وأن العبد قد يرى الشر خيرا، وقد يرى القبح حسنا، لكن الله الذي يعلم دقائق الأمور، ويعلم ما يصلحك وما لا يصلح لك هو الذي سيختار لك، ولعل هذا بعض قول الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
هاتان النقطتان إذا ما استقرتا في قلبك ستجد الراحة والهناء، وفي نفس الوقت ستجد الدافعية للتقدم إلى الأمام.
ثانيا: قد ذكرت أنك أكبر من الفتاة، وأن الذي جذبك إليها جمالها، ونحن هنا نتوقف معك لنخبرك أن الجمال لا تقوم به حياة زوجية مستقرة، إذا كان منفصلا عن الدين والأخلاق؛ لذا عند البحث اجعل أول مرادك: الدين، ثم بعد ذلك اجمع من المرغبات ما شئت، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
ثالثا: الطريق إلى الخروج مما أنت فيه -أخي- يتمثل فيما يلي:
1- بعد الإيمان بأن أقدار الله نافذة، وأن الخير ما قدره الله لنا، يجب عليك التوقف عن التفكير فيها على أنها فريدة لن تتكرر، فإن الخير في النساء موجود، ولكن العين تبصر أحيانا وتعمى أحيانا، وقد قال ابن مفلح الحنبلي في كتابه (الفروع) كلمة ما أجودها وما أحوجك إلى التفكير فيها، يقول رحمه الله: "وليحذر العاقل إطلاق البصر؛ فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه"، أي العين ترى الإنسان الذي تمنع شرعا من معاشرته والاختلاط به على غير حقيقته، أو تضخمه أكثر مما هو موجود، يفعل ذلك الشيطان بك في الوقت الذي لا تستطيع فيه الزواج ماديا ليحزنك ويثبطك ويقعدك، وعليه: من الآن كن على يقين بأن الفتاة جيدة وغيرها أيضا جيد، والأقدار مكتوبة، والخير ما قدره مولاي وسيدي.
2- واجب الوقت الآن هو إنهاء دراستك على أقل تقدير إن كنت طالبا، أو البحث عن عمل إن لم تكن صاحب عمل أو عمل آخر إن كنت صاحب عمل وتريد الاستزادة، أو البحث عن تجارة، فتسعة أعشار الرزق في التجارة، المهم ألا يضيع عليك واجب الوقت؛ لأنه يقربك من مرادك، وتذكر أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " ثلاثة حق على الله أن يعينهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والمجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعف".
3- احذر سرطان الفراغ؛ لأن الفراغ عامل هام في إذكاء هذا اللهيب المستعر، وتأجيجه بداخلك، واعلم أن الفراغ على قسمين:
- الفراغ الأول: هو الوقت الذي لا تجد فيه عملا تؤديه: هذا مرتع خصب للشيطان ليجول بك حيث يريد، فاجتهد أن تجعل لك برنامجا لا يسلك لوقتك الفراغ، اعمل، تاجر، ذاكر، مارس الرياضة، شارك في الأعمال الخدمية المجتمعية، المهم ألا تجلس وحدك فارغا.
الفراغ الآخر هو الفراغ الروحي، وهذا له عامل قوي في الشعور بالضيقة أو التعب، والذي يستثمره الشيطان ليفسره دائما بغياب التفكير في الفتاة، فاجتهد في تعمير وقتك بطاعة الله، وحافظ على النوافل والأذكار صباحا مساء، واجعل لك وردا دائما من القرآن.
4- أكثر من الصيام؛ فإن فيه إعانة قوية لك، فعن عبدالله بن مسعود: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء".
5- أوجد لك صحبة صالحة تعينك على طاعة الله تعالى، واجتهد أن يكون لك معهم برنامج في أي مجال، بحيث تكون لك معهم أهداف تستشعر قيمتك فيها، وترضي ربك كذلك بها.
كرر في نفسك كثيرا: "لو كانت خيرا لي فسيوفقني الله لها، ولو كانت شرا لي فسيدخر لي أفضل منها".
هذا هو الطريق، وثق أن الله سيعينك على تجاوز هذه المرحلة.
نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة، وأن يعينك على طاعة الله تعالى، ونحن إخوانك وراسلنا في أي وقت، والله الموفق.