السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أنا شاب في الثلاثينات من عمري، ظلمت فتاة واتهمتها بالحقد والكره، وهي على غير هذا، والله تعالى أعلم بها، وطلبت منها الصفح والعفو، وأن تسامحني، لكنها أبت ورفضت مسامحتي.
بقيت أدعو وأستغفر لها، وأن يغفر الله لي ويسامحني على ظلمي لها، فكيف أكفر عن هذا الذنب والظلم؟
كما أني أنوي حفر بئر ماء، ليكون صدقة جارية لها، فهل أعلمها بنيتي وأخبرها بذلك، أم أكتم هذا الأمر وأجعله سرا بيني وبين ربي؟ أيهما أفضل؟
شكرا جزيلا لكم، وبارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
تعلم -علمك الله ما يصلحك- أن الكلام في الناس وقعه شديد؛ ولذا قال الله: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وقد تكاثرت النصوص المحذرة من غائلة اللسان، وبينت السنة مواردها الشديدة، وقد قال الإمام النووي رحمه الله،كلاما يحسن إيراده، يقول: (اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء).
عليه فما فعلته ذنب يجب التوبة منه، والعزم على عدم العودة، مع الندم على فعله، ونسأل الله أن يعفو عنك.
أما مسألة عدم مسامحة الأخت لك، فاعلم بارك الله فيك أن عليك:
-التوبة والاستغفار.
-الدعاء لها بصالح.
-التحدث عنها في المواطن التي ذكرتها فيها بسوء وأمام الأشخاص الذين سمعوا منك ذلك بما يصحح صورتها.
-التصدق عنها.
إن فعلت ذلك وكنت صادقا نادما فلا يضرك -إن شاء الله- عدم قبولها مسامحتك.
اعلم أن من أهل العلم من يرى أن الاستغفار كاف مع الثناء وذكرهم بخير، بل هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، قال السفاريني رحمه الله: قال الإمام ابن القيم في كتابه الكلم الطيب: يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول اللهم اغفر لنا وله)، ذكره البيهقي في الدعوات، وقال في إسناده ضعف، قال ابن القيم: وهذه المسألة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد، وهما هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب أم لا بد من إعلامه وتحلله؟ قال والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار له وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، قال والذين قالوا لا بد من إعلامه جعلوا الغيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر، فإن في الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها.
أما في الغيبة فلا يمكن ذلك، ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصد الشارع، فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمي به ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدا، ومن كان هذا سبيله فالشارع الحكيم لا يبيحه ولا يجيزه، فضلا عن أن يوجبه ويأمر به، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها لا على تحصيلها وتكميلها.
عليه، فيكفي الاستغفار لها والدعاء لها بخير، مع الاجتهاد في الإكثار من الحسنات الماحية، والتقرب إلى الله تعالى بما أمكن من خصال الخير.
بالنسبة للبئر الذي نويته فهو خير، واجعله بينك وبين الله، وإن كنت أنت أولى من غيرك، لكن فعلك لا بأس به، ويمكن أن تجعل النية مشتركة بحيث يكون أجر البئر لك ولها. ونسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك فيك، والله الموفق.