كيف أحافظ على صلاتي وأستعيد نشاطي؟

0 26

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت أنتظم في كل صلاة وأقيمها بشروطها وكمالاتها -بفضل الله-، وبدون أسباب ولا مقدمات أتى يوم واستيقظت للفجر، ولم أرغب في مغادرة سريري، وأضعت الصلاة -الله يغفرها لي-، وبعدها لم أعد أحافظ على الصلاة على أوقاتها، فأصبحت أؤخرها، وأقوم إليها بتكاسل، ولا أحافظ على وقتي وأهدره، ولا أقوم بمهامي، ولا أدري ما المشكلة! ولماذا أصبحت كذلك؟ وعندما أحاول لملمة شتات نفسي والرجوع لطريقي، أصاب بالإحباط والكسل والفشل.

كيف يخرج المرء من حالة ضعف إيمانه بعد أن كان قويا؟ فأنا كنت لا أترك فرصة لأن أصلي صلاة نافلة قدر استطاعتي، وأصوم صيام داود -عليه السلام-، وأجتهد في العلم قدر استطاعتي أيضا، وكل هذا فتر في سرعة عجيبة، وأصبحت في حالة غريبة من عدم المبادرة في الطاعات، والتكاسل والتفريط والزهد، فكيف أخرج من كل هذا وأستعيد نشاطي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حبيبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

اعلمي أختي الفاضلة: أن للذنوب والمعاصي أسبابا تجتمع على القلب فتضعف الإيمان، وينعكس هذا الضعف على الجوارح وعلى همة الإنسان في الخير والعمل الصالح عموما؛ لذلك لا يمكن أن يقع المسلم في الذنوب بين ليلة وضحاها أو بدون أسباب، ولكن قد يظن الشخص ذلك؛ لأن هناك من الذنوب الخفية والصغائر ما يتهاون فيها البعض، ولا يشعر بها، فتجتمع على القلب فتضعفه، يقول تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

وقد أخبرنا بذلك رسول الله -صلى لله عليه وسلم- فقال: (تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه)، فكل الذنوب صغيرة أو كبيرة لا بد لها من التوبة حتى تمحى آثارها؛ فإن التهاون في التوبة يضعف القلب، حتى تصير الذنوب كالنقطة الصغيرة السوداء على القلب، فإن تاب محيت، وإن لم يتب تراكمت حتى يصبح القلب أسود لا يعرف الخير؛ لذلك لا بد من أن يكثر المسلم من الاستغفار والتوبة، ويعمر قلبه بسائر الطاعات، ويبادر إلى القربات وإلى تنقية قلبه وروحه مما يصيبها من درن الذنوب والمعاصي الظاهرة والباطنة.

واعلمي -وفقك الله- أن النفس لها إقبال وإدبار ولها نشاط وخمول، وعلى المسلم أن يكون حريصا في لحظات فتور نفسه وضعفها أن يكون هذا الضعف داخل إطار السنة والشرع، فينزل إلى الاكتفاء بالفرائض والواجبات وعدم الوقوع في المحرمات، جاء في صحيح الجامع يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك ) وذكر ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين أن عمر -رضي الله عنه- قال (إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل وإن أدبرت فألزموها الفرائض).

وينبغي على المسلم أن يحذر أن يستمر في الفتور والضعف، بل عليه أن يجتهد في دفعه عن نفسه قدر المستطاع حتى لا يتحول إلى انتكاسة مع الوقت، فالنزول إلى مستوى ترك بعض الصلوات أو التفريط فيها حتى يخرج وقتها، أو الوقوع في المحرمات والشهوات، فهذا ليس فتورا أو ضعفا بل انتكاسة -والعياذ بالله-، ويجب المبادرة إلى التوبة، وتحقيق شروطها والمسارعة إلى علاج النفس من أسباب هذا التراجع .

واعلمي - أختي الفاضلة- أن صلاح القلب هو أساس الثبات على الطاعة، ومفتاح كل خير وباب كل فضيلة للإنسان، كما أخبر بذلك طبيب القلوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فصلاح القلب هو بمثابة الوقود والدافع والمحرك للجوارح، فكل اجتهاد في الأعمال الصالحة، وكل سعي واجتهاد في الخير، ما هو إلا ثمرة لصلاح القلب؛ لذلك -أختي الفاضلة- للخروج من حالة ضعف الإيمان يحتاج القلب إلى تغذية إيمانية.

وسنقدم لك بعض النصائح السريعة حول أهم أسباب ضعف القلب وأهم أسباب صلاحه:

أولا: ضعف أعمال القلوب، فالأعمال الصالحة كثيرة، لكن بعضها له تأثير عميق ومباشر على القلب أكثر من غيره، فالإكثار من قراءة القرآن بتدبر، ومداومة الذكر بحضور القلب، والدعاء بخضوع وذل وانكسار له تأثير عميق في حياة القلوب، أيضا فهناك ذنوب تضعف القلب وتذهب نوره وقوته، ومن أشدها النظرة المحرمة والتهاون فيها.

ثانيا: الانغماس في أعمال الدنيا والابتعاد عن الأجواء الإيمانية لفترات طويلة، وهذا الأمر يتسبب في ضعف تغذية القلب، فيتسرب إليه الجفاف الإيماني، ثم ينتهي الأمر بقسوة القلب، وينعكس كل هذا على فتور في سائر الأعمال الصالحة والنشاط في الخير والعبادة عموما؛ لذلك لا بد من المداومة اليومية على تغذية القلب، وبناء الإيمان من خلال محطات الصلوات الخمس، والورد القرآني اليومي، والدعاء والذكر وغيره.

ثالثا: الاستهانة بالصغائر وعدم التوبة منها، فمن أعظم ما يضعف القلب الاستهانة بصغائر الذنوب وعدم التوبة منها، فتجتمع على القلب فتهلكه، فمداومة التوبة والإكثار من الاستغفار ينقي القلب مما يعلق به من صغائر الذنوب.

رابعا: مداومة ذكر الله؛ فالذكر للقلب كالزيت للمصباح، فإن ضعف الذكر ضعف نور القلب وضعفت قوته، والإكثار من الذكر يصل بالقلب إلى مرحلة الاطمئنان، يقول تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

خامسا: مخالطة أهل العلم ومجالس الصالحين والمواعظ، فمن أعظم ما يقوي الإيمان ويعلي الهمة مخالطة ومرافقة الصالحين، والاستماع إليهم وتوجيهاتهم والتعلم منهم، فعليك -أختي الفاضلة- بملازمة مجالس طلب العلم ومرافقة الصالحات وحضور الدروس العلمية والمحاضرات.

أخيرا -أختي الفاضلة- من أنفع القربات التي تحيي القلب، وترفع النشاط في الطاعات، وهي دواء تجتمع فيه العديد من الطاعات كقراءة القرآن والذكر والدعاء والتدبر هو "قيام الليل"، فننصحك -أختي الفاضلة- أن يكون لك ورد من صلاة الليل، إما في أوله أو أوسطه، والأفضل في آخره، وفيه تختلين بكتاب الله، وتدعين الله ساجدة متضرعة أن يصلح قلبك ويذهب عنك ما تجدين، و-بإذن الله- ستجدين فرقا كبيرا بعد التزامك بهذه الطاعات.

أسأل الله أن يوفقك للخير، ويذهب عنا وعنك العجز والكسل، ويعمر قلبك بالقرآن، ويردك إليه ردا جميلا.

مواد ذات صلة

الاستشارات