السؤال
أحاول أن أتوب من النظر للمحرمات، ولكن كلما حاولت انتكست، وكلما انتكست تدمرت نفسيتي، وصرت لا أطيقها، ولا أطيق الحياة.
علمت أن الموضوع مصنف على أنه من أسوأ أنواع الإدمان السلوكي، وقرأت الكثير عنه، وعن كيفية الإقلاع عنه، والموضوع يحتاج إلى صبر وتغيير في نمط الحياة، وعلمت أيضا أنه يجب أن أتعلم من الانتكاسات، ولكن النهوض بعد السقوط صعب.
أكثر شيء يؤرقني أنني أريد أن أتزوج، ولكني لا أستطيع وأنا على هذه الحال، فوالله أني أريد تكوين أسرة، وأريد الحب الحلال، وأعلم أن ما أنظر إليه ليس موجودا في الواقع، وأن العلاقة بين الرجل والمرأة مبنية على الحب والاحترام.
أخاف أن أتخذ خطوة الزواج؛ لأني لا أريد أن أخون الفتاة التي ستكون يوما زوجتي، ولو فعلت لكان سيتقطع قلبي أكثر مما أنا فيه الآن، ولا أريد أن أظلم فتاة ليس لها أي ذنب فيما أنا فيه.
أفكر في أن من ستكون يوما زوجتي قبل زواجي أن أصارحها بما أنا أعاني منه، ولكني أخاف أن لا تقبل بي أي فتاة؛ لأن عدم المصارحة سيجعلني أحس بثقل في قلبي، فوالله إني الآن أعاني من حزن وغم وهم، وأحس بأني ضائع.
وهل يغضب الله من سقطاتي، مع علم الله بأني أحاول؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك أخي محمد في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يمن عليك بنعمة الإيمان، وأن يصرف قدرتك بالكلية إليه حتى لا يكون فضل قوة تعصي به مولاك وسيدك.
أخي الكريم: حديثك قائم على أمرين:
1- التعثر في الطريق إلى الله.
2- إخبار زوجة الغد بما قد كان في الأمس.
أما الأولى فنقول لك: اعلم -بارك الله فيك- أن الذنوب والمعاصي لها آثار سلبية على القلب، بل وعلى النفس والحياة، وهي أحد الأسباب الهامة لقلة البركة والبعد عن الله تعالى، وقد شرع الله لنا التوبة الفورية عقب الذنب لعلم الله بعذرنا وضعفنا، وهذا ما ينبغي أن يكون حاضرا عندك متى ما زلت القدم عن غير قصد، بعد أخذ الأسباب التي سنتحدث معك فيها بعد قليل.
إن المسارعة في التوبة هي استشعار منك لما وقعت فيه، وطلب الرضا ممن تعبده، وهذا ما ينبغي عليك النظر إليه بإيجابية، فاحذر أن يمدك الشيطان باليأس أو يثبط عزيمتك على الترك.
يقول علي رضي الله عنه: (خياركم كل مفتتن تواب).
قيل فإن عاد.
قال: يستغفر الله ويتوب.
قيل: فإن عاد؟
قال: يستغفر الله ويتوب.
قيل: فإن عاد؟
قال يستغفر الله ويتوب.
قيل حتى متى؟
قال علي: حتى يكون الشيطان هو المحسور.
وقيل للحسن البصري: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه، ثم يعود، ثم يستغفر، ثم يعود؟
فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا -اليأس من التوبة والكف عنها- فلا تملوا من الاستغفار.
وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين، يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب.
فاحذر -أخي- من خطوات الشيطان تلك، فإنه يجتهد في أن ينمى فيك فكرة عجزك عن محاربة شهوتك، وضعفك أمامها، ويهون عليك شأنها حتى تستمر تلك المعصية، ولكنك بالله أقوى، أن التغيير متى ما أردته بأسبابه وجدته، وأنت بعد توفيق الله يمكنك تحقيقه، المهم: الهمة والعزيمة.
وتذكر أنت في مرحلة الشباب والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (شاب نشأ في عبادة الله)، فالله الله في نفسك، لا يفوتك هذا الخير.
أخي إن اليأس من الهداية لا ينبغي أن يكون رفيق المسلم قط، إذا كيف يدب اليأس إليك وأن تقرأ في صلاتك بالناس: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) أي: يا عبادي الذين أكثروا على أنفسهم من الخطايا والذنوب لا تيأسوا من رحمة الله، ( إن الله يغفر الذنوب جميعا) أي: إنه يغفر الذنوب جميعا عظمت أم صغرت، كثرت أم قلت، بل زاد فضل الله وكرمه حين يبدل السيئات والموبقات إلى حسنات كريمات فاضلات، قال الله جل وعلا: ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).
أخي الكريم: حتى تستطيع التغلب على ما ذكرت، ننصحك بما يلي:
1- الإقناع الذاتي بأنك قادر بأمر الله على التغيير، فما لم يتم الاقتناع الداخلي، فإن العلاج سيكون ناقصا غير كامل.
2- الخلوة مع الله في صلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل هي سماء لكل طالب حق، فالزم تلك الخلوة وأكثر من الدعاء، وستجد الخير من وراء ذلك.
3- اجتهد في الإكثار من الصيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
4- ابتعد عن الفراغ، عن طريق شغل كل أوقاتك بالعلم، أو المذاكرة، أو ممارسة نوع من أنواع الرياضة، المهم ألا تسلم نفسك للفراغ مطلقا، وأن تتجنب البقاء وحدك فترات طويلة.
5- ابتعد عن كل المثيرات التي تثيرك، ومنها التواصل مع من لا يحل لك الحديث معها.
6- المرء قوي بإخوانه ضعيف بنفسه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، اجتهد في الإكثار من الصالحين من الإخوة، وقضاء أوقات التعلم والطاعة والعبادة والعمل المجتمعي.
7- كثرة الدعاء أن يصرف الله عنك الشر، وأن يقوي إيمانك وأن يحفظك، ويحفظ أهلك من كل مكروه، اجعل هذا الدعاء دائما على لسانك، فإن تعثرت خطاك بعد يوم، أو شهر، أو عام، فلا تقل تعثرت، ولن أستطيع القيام، بل قل وفقني الله زمنا طويلا، وسأتوب وأعود إليه.
وأما بالنسبة للحديث إلى زوجة الغد عما كان منك في الأمس، فاعلم بارك الله فيك ما يلي:
1- معصيتك التي تبت إلى الله منها كانت بينك وبين الله عز وجل، ولا يحق لأحد السؤال عنها، ولا يجوز لك الإجابة عليه بذكر ما كان منك.
2- التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا صدقت مع الله في توبتك، فإن الله يبدل السيئات إلى حسنات، فليس هناك أدنى ثقل عليك: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا).
3- لا ننصحك بذكر أي معصية وقعت منك إلى أحد، وخاصة زوجتك القادمة إن شاء الله، وهذا ما يحثك عليه دينك، فإن فعلت فقد أسأت وفضحت نفسك، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه فقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه).
نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة، وأن يعينك على الصلاح والتقوى، والله الموفق.