السؤال
السلام عليكم
زوجي إنسان بار جدا بأهله، فمنذ زواجنا كان أهله يكثرون عليه من الطلبات رغم علمهم بأنه كان يسعى لجمع المال ليشتري لنا شقة؛ لأننا تزوجنا في بيت أبي، وتكفل زوجي بكل تكاليف علاج أبيه البالغة٢٥٠ ألف دون مساعدة أمه، أو أي من إخوته.
طبعا ظروف زوجي كانت لا تسمح بدفع كل هذا المبلغ، وفي نفس الوقت الإنفاق على أسرته (أنا وأربعة أطفال)، فقمت بصرف كل ما أملك من مال ومرتب، وقمت ببيع كثير مما أملك للإنفاق على البيت.
وفي المقابل قام أهل زوجي بإعطائه مائة ألف جنية مقابل تنازله عن حقه في الشقق التي يملكونها (الميراث) لصالح أخيه وأخته.
أنا الآن أجد غضاضة في قلبي تجاه زوجي وأهله، فماذا أفعل؟ وزوجي رأيه أن والدته ليس لديها ما تدفعه لنا وأخته؛ لأنها ما زالت لم تتزوج، فهي من حقها أن تكون الشقة من نصيبها، والشقة الأخرى من نصيب أخي زوجي؛ لأن ظروفه صعبة.
أنا أكرهها جدا، وأتمنى أن يأخذ الله حقي منهم، والإحساس بالكره هذا يضايقني جدا، فما رأيكم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:
نحن نتفهم حديثك -أختنا الكريمة- وندرك الغضب الذي ألم بك، ونرى أن له عدة أسباب أهمها أمران:
- شعورك بالغبن خاصة بعد دفع ما لديك من أموال لبيتك.
- شعورك باستغلال أهله له وتضييع الرجل حقوقه.
وهذان منفصلان عن البعد الديني، وعن الواجب الشرعي، وعن الأجر المنتظر، لكن دعينا حتى تتضح الصورة وينصلح ميزان الرؤية نتحدث عن الصورة كاملة:
أولا: بر الرجل بأهله واجب شرعي عليه، وكما أوجب الله على زوجك بر أهله وإعانتهم أوجب على أولادك ذلك، والجزاء من جنس العمل، والبر أجر مردود، ولك أن تتخيلي -حفظك الله ورعاك- لو كنت أنت أو زوجك من تحتاجون تلك العملية هل يسرك أن يتركك أولادك، أم يفعلوا مثل ما فعل زوجك؟! هل يسرك أن تأتي امرأة بعد أن تعبت في تربية ولدك وبذلت له الغالي والنفيس تتعرف عليه بعد أن صار رجلا ثم تشتكى منه بذله لك ولأبيه؟! هل يسرك أن تأتي زوجة ولدك لتخبره أنك ووالده يستغلانه؟! أنت الآن -أختنا- أم وتعرفين جيدا مكانة الابن عند والديه، وكم بذلت أنت وزوجك من أجل أن يصيروا رجالا.
ثانيا: النفقة على الأهل لا يضيع أجرها، ولا يذهب فضلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم قال : من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه؛ (البخاري ومسلم)، ولك أن تتخيلي هذه الأجور التي ستدركك وزوجك لا محالة إن شاء الله لتعرفي أي فضل أنت فيه، وأي نعمة منحك الله إياها؟! فالحمد لله على نعمة العافية لك ولزوجك وأولادك في الوقت الذي فيه آلاف الأسر يعانون من أمراض لا يعلمها إلا الله، وينتظرون جمع الأموال من أجل طلب الدواء، هذا إن وجدوا الأموال!
فثقي -أختنا- أن الله سيعوضكم خيرا مما بذلتم، فإن النفقة في طاعة الله تعالى يخلفها الله تعالى للمنفق ويوسع رزقه بسببها، كما قال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) سبأ/39 .
ثالثا: ما فعله زوجك في ترك بعض حقه في الميراث لأخواته هو حق له، فقد قال أهل العلم: إذا تنازل الوارث عن نصيبه في الميراث، وكان أهلا للتصرف وقت تنازله؛ بأن كان بالغا رشيدا في المال، ولم يكن في مرض الموت، وهو في تنازله ذلك مختار غير مكره: فتنازله صحيح نافذ.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وجملة ذلك: أن التبرعات المنجزة (أي: المعجلة في الحال )، كالعتق، والمحاباة، والهبة المقبوضة، والصدقة، والوقف، والإبراء من الدين، إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال. لا نعلم في هذا خلافا، وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت، فهي من ثلث المال، في قول جمهور العلماء ".
وأخيرا: أختنا الكريمة ثقي تماما أن بر زوجك بأهلك لن يضيع سدى، ستجدين بركة ذلك في نفسك وزوجك وولدك، وسوف يسرك غدا أن يتعاون أولادك فيما بينهم على مثل هذا الود والتآلف، فاجتهدي أن تعيشي هذه المعاني الإيمانية، وأن تستعيذي بالله من شر الشيطان الذي يستغل تلك الفرص لوضع الضغينة بينك وبين زوجك.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يبارك لك في زوجك وولدك، وأن يوسع عليك، والله الموفق.