السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ أن أنعم الله علي وهداني لطريقه المستقيم، وأصبحت ألبس الحجاب الشرعي لكن دون تغطية للوجه؛ لأنه أمر صعب في مجتمعي وبيتي، فأنا أعاني مع الحجاب، إذ أصبحت ألبسه طوال اليوم، لا أنزعه إلا في غرفتي أثناء نومي، وابتعدت عن سماع الموسيقى، وكلما وضعوها أطلب منهم إيقافها، وأن من يريد سماعها يضع سماعات.
وأصبحت أنا الغريبة في البيت، إذ علي أن أدخل إلى غرفتي وأحبس نفسي فيها كي لا أزعجهم، وعندما أشتكي إلى والدي يحدث جدال ونقاش، وأعلم أن هذا من العقوق.
يبقى زوج أختي معنا في البيت أوقاتا أكثر، وذلك منذ سنة، وهذا أرهقني كثيرا، إذ يفسد علي حريتي في البيت، وأصبحت عصبية من هذا الأمر، ومنبوذة ومكروهة من كل فرد في البيت؛ حيث قبل الاستقامة كنت محبوبة لدى الجميع وهادئة ورزينة، لكن كل هذا انعكس تماما، وأصبح التزامي سببا في انقلابهم علي.
قيامي لليل وصيامي وقراءتي للقرآن ومحاولة تحسين تلاوته - مع حفظ ما تيسر لي - أصبح يزعجهم، وإذا تكلمت يهجمون علي، ويقولون: توقفي عن عباداتك فلن تنفعك؛ لأنك عاقة لوالديك!
طلبت من والدي أن يعيناني على أمور ديني، وأن يفرحا بذلك؛ لأنهما سيحاسبان عني، فيقولان أنا بالغة، وكل واحد سيحاسب عن نفسه.
أدخل في اكتئاب وحزن بعد كل جدال مع والدي، لا يهتمون لوضعي، ولا يضعون قانونا للبيت، فيدخل من ليس بمحرم دون أن يستأذن، ويطيل البقاء عندنا، وأنا لا أتحمل الحجاب طول الوقت ولعدة أيام، ولا أستطيع البقاء محبوسة في غرفتي كل اليوم.
أرشدوني إلى حل، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نبيلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يحفظك وأهلك، وأن يرزقك الصبر، وأن يكتب لك وافر الأجر، ونشكر لك الحرص على الخير، ونهنئك بتلك التوبة وهذه الاستقامة، وبعد:
نتفهم حديثك جيدا -أختنا-، كما نتفهم وضع البيت الذي عاش طيلة عمره على نمط بعيد عن التدين، هذه النمطية من العسير أن تتغير فجأة، أو أن تتنكر لما مضى من حياتها، ولابد معها من تدرج وصبر حتى تعبري بأسرتك بر الأمان، خاصة وأنت تملكين من القدرات ما يجعلك محبوبة عند أهلك دون أن تتجاوزي حد الله تعالى.
هذه المعادلة - نعني الاندماج مع البيت دون تجاوز الحدود الشرعية- هي المطلوبة، هي المرادة الآن؛ حتى لا تصيري غريبة وأنت في بيتك، ولا تحدث المشاكل بسبب تدينك، لذا ننصحك بما يلي:
- التلطف في الحديث معهم (أهل بيتك من المحارم)، وإعانتهم على حاجيات البيت، والتصرف بإيجابية حيال أعمال البيت وشوؤنهم الخاصة؛ فهذا سبب من أسباب الود، وفيه كذلك مرضاة لله عز وجل.
- الاجتهاد في التعود على الحجاب خاصة عند وجود زوج أختك، والتصرف في البيت بطبيعة لا تقلق الحاضرين، وإذا تعبت، فيمكنك دخول غرفتك مع إحكام إغلاقها، دون الحديث إلى أحد عن عدم جواز ذلك من عدمه؛ لأنهم لن يفسروا الحديث إلا على المحمل المنفر، خاصة في البداية.
- عدم الحديث مع والديك في الفروع الصغيرة حتى يعتاد الجميع على وضعك الحالي، وعدم التغيب عنهم كثيرا حتى لا يفتقدوك حين يريدونك، وحتى لا تصابي بالعزلة؛ فإن كثرتها ضرر، خاصة فيمن هو كحالك.
- إسداء النصيحة في وقتها وبلطف وأدب، خاصة عندما تكون للوالدين، وتذكري قول الخليل إبراهيم لأبيه الكافر: {يا أبت...يا أبت...يا أبت...يا أبت..}.
- اجعلي النصيحة عارضة وخاطفة، واجعليها بين ممدوحين، فمثلا إذا كان الوالد متكاسلا في الصلاة في المسجد تقولين له: (أحمد الله أن رزقني والدا مثلك، أكرمني وأغناني ورعاني وأدبني، وأكاد أطير فرحا حين يؤذن للمؤذن، فتذهب للصلاة في المسجد، إلا أنك ودود في حقنا ناصح لنا، أبقاك الله لنا ذخرا وسندا وعضدا)، وطبعا الحديث يكون بلغة البيت الدارجة، فلا تستخدمي اللغة العربية عند النصيحة، وكذلك اعتمدي هذا الأسلوب مع الجميع.
- إذا غضب أو تضجر الوالد من النصيحة فتوقفي فورا، واعتمدي أسلوب المزح المحبب إليه ومساعدته، وغيري الموضوع فورا حتى لا تبتعد الهوة.
- تفادي الأماكن التي فيها الأغاني، لكن إذا فرضت عليك فلا حرج للضرورة، ولكن اشتغلي في ذلك الوقت بتلاوة كتاب الله وذكره والاستغفار، وتشاغلي بأمور أخرى، وإن وصل إلى أذنك ما تكرهين وأنت غير راغبة، فلا إثم عليك؛ لأنك لم تتعمدي السماع، ولكن اجتهدي دائما في تفادي ما يغضب الله تبارك وتعالى، واحرصي على أن تصلي إلى قلوب أهلك وإخوانك وأسرتك بحسن خدمتهم وحسن التعامل معهم.
- لا تقفي عند كل صغيرة، واجتهدي في التسلح بالصبر، واعلمي أنك مأجورة مرتين: أجر الطاعة وأجر المجاهدة، وثقي أن الله سيكرمك من واسع كرمه، ولعلك تكونين حلقة الوصل بين أهلك والتدين الصحيح إن شاء الله تعالى.
- أما عن حديثهم لك عن العقوق؛ فإن فعلت ما ذكرنا واجتهدت في إرضاء الله فيهم، واندمجت معهم، مع الحفاظ على الحدود فلم تتجاوزيها، وألنت القول؛ فلست حينها عاقة -أختنا-، فاطمئني.
- كما نوصيك -أختنا- بمصاحبة بعض الأخوات الصالحات سواء من أهلك أو من غير أهلك، فإن المرء بإخوانه، والصاحب ساحب.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يثبتك على الحق، والله الموفق.