نوبات الاكتئاب الحادة المؤدية لترك الصلاة .. التوصيف والعلاج

0 524

السؤال

السلام عليكم

عانيت من الاكتئاب كحالة مرضية لمدة طويلة، نتيجة لضغوط اجتماعية مدمرة وصلت في إحدى اللحظات إلى التفكير في الانتحار، مع أنني كنت في الأصل على درجة عالية من الإيمان.

اليوم أنا أفضل حالا، ودائمة محاولة الرجوع إلى طبيعتي التي أحن إليها، فأحيانا أجد نفسي متماسكة وحتى سعيدة؛ لأن الضغوط لم تتغير، ولكني أنا التي قررت الصمود وأستلذ بنعمة الصبر على البلاء.

سؤالي هو: أنني تنتابني لحظات ضعف تصل إلى أيام لا أستطيع فيها أن أصلي، وأنا متضايقة جدا من وضعي المتقلب، فهل يمكنكم مساعدتي؟
جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالحمد لله الذي جعلك تستطيعين أن تبني دفاعاتك النفسية القوية ضد الاكتئاب النفسي، ولا شك أن الصمود والصبر والمواجهة، وتغيير الأفكار من أفكار سلبية إلى أفكار إيجابية هي من أفضل الوسائل السلوكية لمقاومة الاكتئاب النفسي والتغلب عليه.
الاكتئاب النفسي بالطبع له عدة أنواع، وهنالك بعض الاكتئابات النفسية تكون ناشئة من عوامل داخلية في الأصل ناتجة من التكوين البيولوجي للإنسان أو معتمدة في المقام الأول على بناء وسمات شخصيته.

هنالك أنواع بعض الاكتئاب تكون ظرفية المنشأ، بمعنى أن الضغوط الحياتية والصعوبات التي قد تواجه الإنسان في معترك الحياة تجعله يتفاعل سلبا ويدخل في حالة من الإحباط ومن الكآبة.

هنالك مجموعة ثالثة من أنوع الاكتئاب النفسي، وهو أن الشخص في الأصل يكون لديه استعدادات نفسية داخلية، وحين تأتي أحداث حياتية بسيطة تجعله يتفاعل سلبا.

عموما أنت - الحمد لله - حالتك بخير واستطعت أن تكتسبي الخبرات المطلوبة لمقاومة الاكتئاب، فحقيقة العيش مع الاكتئاب النفسي ليس مستحيلا وليس صعبا، لكن الإنسان لابد أن يسعى ليحرر نفسه من العيش مع الاكتئاب، وذلك - كما ذكرت لك - بأن يكون إيجابيا في تفكيره، فالاكتئاب دائما يدخل علينا أفكارا تشاؤمية وأفكارا سلبية تجعلنا لا نثق في أنفسنا أو حتى في من حولنا، ويجعلنا نقلل من مقدراتنا وأن ننظر للماضي بسلبية، وأن ننظر إلى الحاضر بفقدان الأمل، وكذلك المستقبل.
هذه كلها يمكن أن يغيرها الإنسان بإدخال أفكار مضادة، فيجب عليه أن ينظر إلى ماضيه بأنه تجارب أو أنه تجربة وليس أكثر من ذلك، والتجربة يستفيد منها الإنسان دائما لتطوير حاضره ومستقبله، ويجب أن يعيش الحاضر بقوة والمستقبل بأمل، وكل فكرة سلبية تأتي لك - أختي الكريمة– يوجد لها مرادف إيجابي.

كل فكرة: الحزن، الضيق، الخوف من عدم مواكبة الآخرين، التشاؤم... كل من هذه الأفكار وغيرها له فكرة مضادة، فهنالك التفاؤل وهنالك الفعالية وهنالك الإنتاجية وهنالك الفرحة والانشراح، كلها أفكار مضادة يجب على الإنسان أن يحاول أن ينميها وأن يغرسها في داخل نفسه ويستبدل الأفكار التشاؤمية.

انظري أيضا إلى حياتك بدقة وسوف تجدين أن هنالك إنجازات في حياتك، فمهما صغرت هذه الإنجازات فلابد لك من أن تضيفيها إلى رصيدك، وأن تضخمي هذه الإنجازات وأن تسعي إلى المزيد من الإنجازات، إذن: هذه إحدى طرق محاربة الاكتئاب.
أيضا: إدارة الوقت بصورة صحيحة أمر ضروري، فنحن كثيرا لا نستفيد من أوقاتنا بالرغم من أن الواجبات أكثر من الأوقات، فالإنسان الذي لا يستثمر وقته بصورة صحيحة يكون محاطا دائما بالإحباط والتشاؤم والأفكار السلبية، قسمي يومك ما بين النشاطات المختلفة، فإذا كنت تعملين فهذا جيد، أو إذا كنت في البيت فالبيت أيضا يتطلب الكثير من الواجبات، وعليك أيضا بالترفيه المنضبط، وعليك بممارسة الرياضة، وخصصي وقتا للعبادة ولقراءة القرآن، وللتواصل مع الآخرين وصلة الأرحام، وزيادة المعارف وذلك بالاطلاع، وهكذا هنالك أشياء كثيرة جدا يمكن للإنسان أن يقوم بها، مثل ممارسة الرياضة ،الانخراط في الأعمال التطوعية والتي من خلالها يستشعر الإنسان اللذة في مساعدة الضعفاء والمحتاجين.

أما عن لحظات الضعف التي تصل إلى أيام لا تستطيعين فيها الصلاة، فعليك ألا تعطي للشيطان أي مساحة في حياتك، فالضعف النفسي ثغرة قد يدخل منها الشيطان في بعض الوقت، فيجب أن تستشعري عظمة وأهمية الصلاة حين تأتيك هذه الأفكار، واستعيذي بالله من الشيطان، وسلي الله تعالى أن يعينك، ولابد أن تحتمي على نفسك وتقولي: (مهما بلغ بي الاكتئاب فلن أترك صلاتي؛ لأن الصلاة هي باب وفتح عظيم لإزالة الاكتئاب نفسه)، فهذا من الطرق الجيدة والممتازة التي تجعلك - إن شاء الله تعالى – أكثر حرصا ومواظبة على صلاتك.

أنت لم توضحي نوعية الاكتئاب الذي تعانين منه، بمعنى إن كانت توجد أي أعراض بيولوجية مثل فقدان الشهية للأكل، وفقدان النوم – وهكذا – لأن الاكتئاب كما ذكرت أنواع كثيرة، وسوف أعتبر أن اكتئابك من النوع الوسطي؛ ولذا فسوف أقوم بأحد الأدوية الفعالة والممتازة جدا، والتي - إن شاء الله تعالى – تساعد على إزالة هذا الاكتئاب وتحسن عندك الدافعية وقبول الحياة بنظرة أكثر إيجابية، والدواء يعرف تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، ومن الضروري التعرف على اسمه العلمي (فلوكستين Fluoxetine)؛ لأنه توجد مستحضرات تجارية غير المنتج الأصلي، وهذه المستحضرات أيضا ممتازة جدا وتتميز بأنها أقل تكلفة.

إذن: ابدئي في تناول (الفلوكستين) بجرعة كبسولة واحدة عشرين مليجرام في اليوم بعد الأكل، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، وهذا بالطبع علاج بسيط جدا، فكبسولة واحدة في اليوم لا تعني شيئا.
وبعد إكمال ستة أشهر تناولي الدواء بمعدل كبسولة واحدة كل يومين لمدة شهرين، ثم بمعدل كبسولة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناوله.
هذا الدواء -كما ذكرت لك- معروف ومحسن للمزاج، وهو سليم جدا، وليس له أي آثار جانبية سلبية، فتناولي الدواء على بركة الله بالطريقة التي وصفتها لك، وأود أن أؤكد لك أنه – بفضل من الله تعالى – يتمتع هذا الدواء بفعاليته وسلامته، ولا توجد أي آثار جانبية سلبية يسببها هذا الدواء، كما أنه ليس له آثار إدمانية أو تعودية مطلقا.
ويمكنك الاطلاع على هذه الاستشارت حول العلاج السلوكي للاكتئاب: ( 237889 - 241190 - 257425 - 262031 - 265121 ).
وحول كيفية المحافظة على الصلاة: ( 18388 - 18500 - 17395 - 24251 - 55265).
نحن في هذه الأيام الطيبة -أيام العتق من النار- عليك أن تكوني أكثر حرصا على صلواتك، وأن تسألي الله تعالى أن يعافيك، وأرجو أن تطبقي الإرشادات السابقة وتتناولي الدواء الذي وصفته لك، وإن شاء الله سوف تجدين في ذلك خيرا كثيرا، وعليك أن تعيشي حياتك بكل قوة وبكل أمل، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وكل عام وأنتم بخير.
وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات