السؤال
هناك ناس أغنياء وناس فقراء... فهل السبب في هذا التفاوت هو جد الأغنياء وكسبهم أم أن الله قد أجبر هذا على غناه وهذا على فقره ابتلاء أو لأنه أدرى بما يصلح حالهم... وهل هذا الحال هو ما تعبر عنه الآية الكريمة: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات)، ألا توحي هذه الآية الكريمة على الجبر بالرزق؟ أثابكم الله وسدد خطاكم وأكرمنا بعلمكم.. ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين الناس وقدر الأقوات وهدى الخلق لما ينفعهم وجعل لكل شيء سببا، فشرع الأسباب والسعي والتكسب والجد في تحصيل ما ينفع مع الاستعانة بالله في نجاح تلك المساعي، ففي حديث مسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
وقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله: بقدر همة العبد ونيته يعطيه الله تعالى، والتفاوت بين الناس في الأرزاق مثل تفاوتهم في الطول والقصر والنحافة والضخامة والبياض والسواد، وكل ذلك لحكمة بالغة علمها الله سبحانه وتعالى.
وأن من الحكم في تفاوت حال الناس في الفقر والغنى جد بعضهم ومهارته في التكسب، وخمول بعضهم وكسله، ومنها تسخير بعض العباد لبعض المهن التي لا يستطيع البعض مزاولتها، فأغنى الله بعض الناس وأفقر بعضا ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، ومن أسبابه تقوى الله والبعد عن معصيته عموما ولا سيما في وسائل الكسب، ومنها كذلك أن الفقر قد يكون أصلح لبعضهم من الغنى، والعكس صحيح، ومنها ابتلاء الغني في غناه هل يشكر، وابتلاء الفقير هل يرضى ويصبر، قال الله تعالى: ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم {الأنعام:165}.
هذا وليعلم أن إغناء هذا وإفقار هذا لا يدل بالضرورة على تكريم الغني ولا إهانة الفقير، كما قال الله تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا {الفجر:15-16}. وطالع تفسير الآية في تفسير ابن كثير وفتح القدير وأضواء البيان.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للمزيد من البسط في الموضوع: 29607، 60327، 64404، 27215، 95493، 66358، 70823.
والله أعلم.