السؤال
السيخ الفاضل, أثابك الله وبعد:
نحن عائلة ملتزمة ولله الحمد وبالنسبة لي أعمل جهدي لكي أرضي وجه الله الكريم, نعاني من عدم البركة في الرزق, عندما تضيق بنا المادة جدا وتزيد المعاناة، اذكر أهل البيت بأن يحاسبوا أنفسهم وأؤكد لهم أن الأمر عير طبيعي لا بد وأن منكم من يقوم بمعاصي بالسر وكل يعرف نفسه وأنا من طبيعتي ولله الحمد إنني دائمة التذكير لزوجي ولأولادي بالله...
لا أعرف أشعر شعورا قويا أن عسر الرزق وعدم البركة فيه بسبب عدم غض زوجي عن الحرام , يشهد الله كم أذكره بذلك وعندئذ أشعر أنه لا زال حقا على إطلاق بصره بدليل طلب الدعاء مني له بذلك، وأتعجب في نفسي وأقول رجل وصل لسن فوق الخمسين ولا زال على هذا الذنب ماذا ينتظر لو قلنا إنه مراهق أو شاب لقلنا ربما الفتنة تزيد على هذه الفئة العمرية, من ناحية حقوقه كلها كزوج فهي موفرة له, وهو دائما يشهد لذلك وبجمالي بالنسبة له، أخي هل حقا عدم غض بصره سبب في عدم البركة في الرزق، وماذا عن الكثيرين الذين يطلقون أبصارهم ويفعلون الكثير من المعاصي ورزقهم في ازدياد...
زوجي سوف يقرأ إجابتكم وأحب أن تكون له مباشرة حتى يقتنع وربما خشي ربه سبحانه وتعالى...
وأسأل الله لكم التوفيق....
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله سبحانه وتعالى يبسط رزقه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء، وليس ذلك علامة على أن ذلك محبوب عنده، ولا أن هذا ممقوت عنده، وإنما العبرة بالأعمال الصالحة وقبولها، قال سبحانه: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن {الفجر:15-17}
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: يقول تعالى منكرا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان. كما قال تعالى: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون.
وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له. قال الله: { كلا } أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرا بأن يصبر. ولذلك فإنك تجد بعض أهل المعاصي قد فتح الله لهم أبواب الرزق على مصراعيها ولكن ليس هذا دليل كرامة، كلا بل هذا زيادة فتنة لهم. وتجد من أهل الإيمان والعمل الصالح من ضيق عليه في رزقه وليس هذا دليل إهانة، وقد كان سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم تمر عليه أياما لا يجد فيها القليل من الطعام وهو أكرم الخلق على الله.
ومع ذلك نقول: لا يخفى أن للمعاصي آثارا عظيمة في حدوث المصائب، وإزالة النعم والسرور، وجلب النقم والشرور، وتضييق الرزق. وكلما كثرت الذنوب اشتدت الخطوب، وضاق العيش، وأظلم القلب، وفرح الشيطان، وغضب الرحمن..
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الداء والدواء: ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب؛ كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة، وقد قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . انتهى كلامه.
ولا مانع من أن يكون ضيق الحال الذي أصابكم من شؤم المعصية، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الداء والدواء: قال: ومن شؤم المعصية أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم، فإن من عقوبتها أنها تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة. انتهى كلامه.
وأما بالنسبة لنظر الرجال إلى النساء الأجنبيات فهو حرام, وهو بريد الزنا وسبب الفجور والآثام. ومفسد القلب ومثير للشهوة ومخالفة صريحة لأمر الله – جل وعلا - فإن الله جل وعلا أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم فقال: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون {النور:30}، فمن لم يغض بصره فقد خالف أمر الله وعرض نفسه لسخط الله ومقته، ومن سخط الله عليه فقد هلك.
والنظر إلى الحرام من زنا العين، الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر....
وغض البصر له فوائد عديدة ذكر بعضها العلامة ابن القيم في كتابه الداء والدواء , وننقل بعضها بتصرف واختصار، فمن فوائده: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، ومن فوائده أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية عليه، كما أن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله، وغض البصر يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعف القلب ويحزنه، ويكسب القلب نورا، ويورث صاحبه فراسة صادقة يميز بها بين الحق والباطل، ويسد على الشيطان مدخله إلى القلب، ويفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها.
فيجب عليك أيها الزوج أن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى واحذر أن تديم المعاصي فتفتح عليك أبواب الشرور, فتصيب أهل بيتك معك فتكون سببا في بلائهم وحرمانهم، مع أن الواجب عليك أن تكون سببا في سعادتهم وقربهم من مولاهم.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46846، 4188، 27048، 36909.
والله أعلم.