هل التركة تعد من الصدقة الجارية

0 286

السؤال

هل الرجل الذي يترك لأولاده ماله وممتلكاته يعملون ويتمتعون بها يحسب له ذلك في باب الصدقة الجارية؟ جزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك في أن ترك الإرث للأولاد مما يكفون به وجوههم عن المسألة ويكون لهم عونا على مشاق الحياة أمر حسن مأذون فيه شرعا، ففي الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم زار سعدا في مرضه فاستأذنه سعد في الصدقة بماله كله، قال: لا، قال: فبنصفه، قال: لا، قال: فبثلثه، قال: نعم والثلث كثير... ثم قال له صلى الله عليه وسلم مبينا علة ذلك: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. وليس معني الحديث أن يتكالب الإنسان علي الدنيا، ويعدو حثيثا خلفها بزعم أنه يؤمن مستقبل أولاده، وليس معناه كذلك أن يغلق الإنسان باب الصدقة ويحرم نفسه خيرها وذخرها بزعم أنه أحوج إلي هذا المال، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحسن الناس تطبيقا لهذه النصوص، وتحقيقا للموازنة بينها، ولئن كان دخول المال المتروك للورثة في باب الصدقة يمكن أن يكون محتملا بالمعني الأعم، لكن النصوص دلت على التفريق بينهما، ودلت على الترغيب في الصدقة خاصة حال الصحة، وأن المال الذي ينتفع به الإنسان في الآخرة أتم النفع هو ما قدمه ابتغاء مرضاة الله، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ فقالوا: ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه، فقال: فإن مالك ما قدمت، ومال وارثك ما خلفت. أخرجه البخاري من حديث ابن مسعود.

والصدقة الجارية التي يبقي للعبد نفعها بعد موته والمذكورة في حديث أبي هريرة عند مسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له‏‏‏.‏ لم يقل أحد من أهل العلم فيما نعلم أن المال المتروك للورثة داخل في معناها، بل عامة العلماء يحملون الصدقة الجارية على ما يوقفه الإنسان حال حياته، فيجري عليه نفعه بعد وفاته، قال الشوكاني معلقا على إيراد المجد بن تيمية لهذا الحديث في باب الوقف: إيراد المصنف لهذا الحديث في الوقف لأن العلماء فسروا الصدقة الجارية بالوقف. انتهى.

وفسر النووي في شرحه علي صحيح مسلم الصدقة الجارية بالوقف، وبه يتضح جواب سؤالك، وأن المتروك للورثة ليس داخلا في معني الصدقة الجارية.

 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة