ركن التوبة الأعظم وسبل استجلابه

0 358

السؤال

كنا مجموعة من الشباب غير متزوجين وغير ملتزمين وكان الواحد منا إذا ارتكب جريمة الزنا أخبر باقي المجموعة بتفاخر إلى أن تاب الله علي ولم أقرب هذه الجريمة منذ تزوجت كان ذلك منذ أكثر من 8 سنوات وقد أديت فريضة الحج بعد الزواج، فهل يتقبل الله توبة المجاهر بالزنا.. أيضا أعلم أن شروط التوبة هي التوقف عن الذنب والندم ثم الاستغفار غير أنني لا أشعر بالندم حيث أحيانا ما أتذكر هذه الآثام بشيء من الفرح والسرور وليس بندم وأسى على ما اقترفت وتجرأت على حرمات الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمجاهرة بالذنب ذنب آخر، يجب التوبة منه كما تجب من الذنب نفسه، وقد سبق بيان معنى المجاهرة بالمعاصي وقبحها، وبيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين. في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18932، 1863، 28218، 29331

وأما اشتراط الندم لصحة التوبة فهو صحيح، بل هو الركن الأعظم للتوبة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني. والندم في الحقيقة انفعال لا فعل، قال الشنقيطي في أضواء البيان: أعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا تصح توبة من ذنب إلا بالندم على فعل الذنب، والإقلاع عنه إن كان متلبسا به كما قدمنا أنهما من أركان التوبة، وكل واحد منهما فيه إشكال معروف، وإيضاحه في الأول الذي هو الندم، أن الندم ليس فعلا وإنما هو انفعال، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الله لا يكلف أحدا إلا بفعل يقع باختيار المكلف، ولا يكلف أحدا بشيء إلا شيئا هو في طاقته؛ كما قال تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم. وإذا علمت ذلك فاعلم أن الندم انفعال ليس داخلا تحت قدرة العبد، فليس بفعل أصلا، وليس في وسع المكلف فعله، والتكليف لا يقع بغير الفعل، ولا بما لا يطاق... فما وجه التكليف بالندم، وهو غير فعل للمكلف، ولا مقدور عليه.

والجواب عن هذا الإشكال: هو أن المراد بالتكليف بالندم التكليف بأسبابه التي يوجد بها، وهي في طوق المكلف، فلو راجع صاحب المعصية نفسه مراجعة صحيحة، ولم يحابها في معصية الله لعلم أن لذة المعاصي كلذة الشراب الحلو الذي فيه السم القاتل، والشراب الذي فيه السم القاتل لا يستلذه عاقل لما يتبع لذته من عظيم الضرر، وحلاوة المعاصي فيها ما هو أشد من السم القاتل، وهو ما تستلزمه معصية الله جل وعلا من سخطه على العاصي وتعذيبه له أشد العذاب، وعقابه على المعاصي قد يأتيه في الدنيا فيهلكه، وينغص عليه لذة الحياة، ولا شك أن من جعل أسباب الندم على المعصية وسيلة إلى الندم، أنه يتوصل إلى حصول الندم على المعصية، بسبب استعماله الأسباب التي يحصل بها، فالحاصل أنه مكلف بالأسباب المستوجبة للندم، وأنه إن استعملها حصل له الندم، وبهذا الاعتبار كان مكلفا بالندم، مع أنه انفعال لا فعل.

ومن أمثلة استعمال الأسباب المؤدية إلى الندم على المعصية، قول الشاعر ـ وهو الحسين بن مطير:

فلا تقرب الأمر الحرام فإنه    * حلاوته تفنى ويبقى مريرها.

ونقل عن سفيان الثوري رحمه الله أنه كان كثيرا ما يتمثل بقول الشاعر:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها    * من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها    * لا خير في لذة من بعدها النار. اهـ 

وأعلم أخي السائل أن صلاح القلب برسوخ الأعمال القلبية فيه ـ وأصولها: المحبة والخوف والرجاء ـ هو الذي يحمل المذنب على الندم، فمن يحب ربه محبة صادقة إذا بدر منه ذنب تألم لمخالفة محبوبه، ومن يرجو رحمة ربه يتألم بذنبه لخوفه من فوات مطلوبه، ومن يخاف ربه ويرهب من عقابه يتألم بذنبه لخوفه من حصول مرهوبه، فتحقيق الإيمان بالله واليوم الآخر هو السبيل لحصول الندم على المعاصي. وللفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 10800.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات