السؤال
العلماء الكرام لكم تحياتي واحترامي ومحبتي وسؤالي:
هل من الضرورة أن تستمر نية الإنسان في العمل إلى ما بعد انقضاء العمل، أم يكفي أن تكون النية فقط خالصة لله قبل العمل وأثناءه. ومثال ذلك: أعطى الإنسان مالا صدقة لله خالصة، ولكن بعد مضي فترة طويلة تحدثه نفسه أنه لو كان أمسك هذا المال لكان أفضل. وكأنه يتحسر على ماله الذي أنفقه.
مثال آخر: تصدق على فقير شفقة على حالة وابتغاء رضا الله، ولكن بعد فترة يتكلم هذا المتصدق عن عمله لا بقصد الاقتداء به، ولكن بما يغلب عليه من طبيعة الإنسان أنه يتحدث ويظهر عمله.. فالسؤال: هل يجب أن تستمر النية الخالصة وإخفاء العمل عن أعين الناس إلى ما لا نهاية، حتى يكتب من المخلصين، أم يكفي النية الخالصة الصادقة في أول العمل وأثنائه. بارك الله في جهدكم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن رفض النية والندم على العمل الصالح بعد نهايته لا أثر له، قال ابن القيم في بدائع الفوائد: رفض الأعمال بعد الفراغ منها باطل.. ولا يمكن طرده.. وأصول الشرع تقتضي أنه لا يصح رفض شيء من الأعمال بعد الفراغ منه، وأن نية رفضه وإبطاله لا تؤثر شيئا، فإن الشارع لم يجعل ذلك إليه، ولو صح ذلك لتمكن المكلف من إسقاط جميع أعماله الحسنة والقبيحة في الزمن الماضي، فيقصد إبطال ما مضى من حجه وجهاده وهجرته وزكاته وسائر أعماله الحسنة والقبيحة.. انتهى.
ولذلك؛ فإن ما يجده المسلم من الندم على فعل الخير.. يعتبر من وساوس الشيطان التي يريد بها أن يحزن المؤمن فيندم على ما قدم وحتى لا يتمادى في فعل الخير وكسب الأجر.. فالواجب عليه مدافعة هذه الخواطر، وحينئذ فإنها لا تضره.
وقد قيل: إن الكريم يجود بفعل الخير وربما ندم، وإن البخيل يمتنع من فعل الخير ثم يندم.
وأما إخلاص النية فإنه لا يلزم منه إخفاء العمل؛ فيمكن أن تكون النية خالصة والعمل ظاهر، وإن كان الإخفاء أفضل كما قال تعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير. {البقرة: 271}.
وإذا طرأ الرياء على العمل بعد الإخلاص فيه فقيل يبطله وقيل لا يبطله.
قال ابن القيم في البدائع: وفي الرياء اللاحق بعد العمل خلاف.
وقال الغزالي: .. يبعد أن يكون ما يطرأ بعد العمل مبطلا لثواب العمل بل الأقيس أن يقال إنه مثاب على عمله الذي مضى ومعاقب على مراءاته بطاعة الله بعد الفراغ منها .
والتحدث عن الطاعة بقصد إعلام الناس بها هو من السمعة وهي شقيقة الرياء وقد ذمها الشرع، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به.
وعرف بعض أهل العلم السمعة وذكر إفسادها للعمل فقال: والسمعة الإخبار بالطاعات بعد خلوصها من الآفات لبعض أغراض الرياء والعمل تفسده ولكن إن ثبت اندمل.
والله أعلم.