السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
من فضلك أرجو الإجابة الوافية على سؤالي هذا, أنا سيدة ولله الفضل ملتزمة وأمتلك قلبا طيبا ورقيقا وبشهادة الآخرين.. أحيانا وعلى سبيل المثال, أرى أناسا معاقين أكان ذلك من خلال الواقع الحي أم من خلال التلفاز, عندما أراهم لا أتحمل مداومة النظر إليهم من شدة شفقتي عليهم حتى أنه قد يصل الأمر بي أن تذرف دموعي في مكان عام فيما لو رأيت ما يثير شفقتي في ذاك المكان, وآخر مرة كنت في عيادة العيون ورأيت فتاة معاقة فوجدت دموعي تذرف تلقائيا, ومنذ فترة حاولت أن أخفف من شفقتي هذه باستحضار، أن الله عز وجل خلقهم وهو أرحم بهم مني وأقول في نفسي هل شفقتي هذه تساوي شيئا أمام رحمة الله, وأبدا فلذلك بدأت أشعر أن قلبي لحظتها لم يعد كالسابق لدى رؤيتي لما يثير الشفقة, طبعا شفقتي هذه ليست فقط للمعاقين إنما أشفق, على الطير الطاير, هذا مثل عندنا كما يقولون.. فاشفق على العاصي وعن البعيد عن ربه ...
المهم في سؤالي حضرة الشيخ الفاضل, هل هذا قسوة قلب أن أصبحت لا أشفق كثيرا عليهم, ما دام الله عز وجل أرحم بهم مني, وأخاف أن أصبح مع الزمن قاسية القلب لا سمح الله, وهذا ما لا أتمناه أبدا أبدا، أخي أود أن أفهم أيضا.. كيف يتوافق هذا المنطق أننا كمؤمنين المفروض أن نتملك قلوبا رقيقة وشفافة ورحيمة وبين أن الله عز وجل أرحم بنا من أمهاتنا علينا, عندما أفكر في هذا المنطق حقيقة لا أستطيع أن أفهم.. لأنه عندما أحاول أن أفهمه, أخرج بنتيجة (حقا أرحم بنا من أمهاتنا علينا فلم هذه الشفقة) صدقني يا أخي أحيانا أقول في نفسي ربما الله عز وجل لا يرضى أن أبكي من أجل هؤلاء المعاقين أو غيرهم مما يثير الشفقة لأن هذا اعتراض على الله عز وجل وبصراحة أفكر لحظتها في نفسي وأقول, لم هذه الدموع ؟ الله عز وجل يراهم وهو أعلم بهم مني هل أنا أشفق من الله عليهم, يا أخي أرجو ثم أرجو من الله تعالى أن توسع صدرك وتوضح لي مباشرة من عير إحالة لسؤال آخر؟ أسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد وإخلاص العمل لوجهه الكريم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله تعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو عندما يحكم ويقضي إنما يفعل ذلك عن علم وحكمة قد نعلمها وقد نجهلها، وما على المؤمن إلا أن يرضى ويسلم، والله جلت قدرته يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء، قال تعالى: كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون {الأنبياء:35}، وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فإن كان العبد قائما بأمر الله، متمسكا بشرعه مستقيما على دينه فيرجى أن يكون ما أصابه من مصائب رفعة له في الدرجات، ومثقلا لموازين حسناته، ففي الحديث الشريف: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
وإن كان العبد مقيما على معصية الله مفرطا في دينه لاهيا عابثا، فقد تكون المصائب والآفات التي يبتلى بها تنبيها له من الله ليتوب ويرجع قبل فوات الأوان، وقد تكون عقوبة له في الدنيا نظير ظلمه لنفسه.. وعلى المسلم أن يعلم أن الابتلاء سنة الحياة، وكم من الناس لما ابتلي بالمرض رجع إلى الله وتضرع بين يديه، ولما رزقه الله الصحة تنكر لمولاه العظيم رب السموات والأرض وأقبل على المعاصي والسيئات.
ولا شك أن رحمتك وشفقتك على المبتلين أمر محمود فالرحمة من محاسن الأخلاق التي فطر الله عباده عليها، كما أن من علامات حياة القلب التفكير في الآخرين، والاهتمام بأمورهم، روى أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وروى أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
ولا حرج في بكائك عند رؤية من ابتلاه الله تعالى، ولكن يجب أن تحذري أن يكون في ذلك اعتراض على قدر الله عز وجل أو إيذاء للمبتلين.
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35559، 13270، 13849، 69389، 93720، 103286.
والله أعلم.