السؤال
أنا أعمل والحمد لله بشركة مرموقة, وقد سافرت إلى دولة بأمريكا اللاتينية لأخذ دورة, لكنى وقعت في الزنا هناك, وأنا نادم على ما فعلت فكيف أتوب من الذنب, علما بأني أعيش في دولة عربية لا تقيم الحدود, أنا أعلم أن الله غفور رحيم, ولكني أعلم أن المعصية كبيرة, وأنا أعلم أن الحدود كفارات, فهل أسافر إلى دولة تقيم حد الله, ولو أن الجواب لا, فكيف لي أن أعلم أن الله تاب علي, أعلم أن الحسنات يذهبن السيئات, و لكن لا أحتمل أن لا يقبل الله توبتي, وأعذب يوم القيامة بما اقترفت, وهل يجب أن أقلع عن كل المعاصي حتى أتوب, أعني أني لا أحافظ على الصلاة في المساجد, وأحيانا أسمع الأغاني, فهل يعني هذا أنه لن تقبل توبتي ما دمت على معصية أخرى، وهل صحيح أن من زنى يعيش طيلة عمره في فقر، فأرجو الإفادة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الزنا من كبائر الذنوب، ولكن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنه من تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته ويعفو عنه، قال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما* ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا. {الفرقان: 71}.
وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم والعزم على عدم العود إلى الذنب، مع الإكثار من الأعمال الصالحة، ولا يلزم لصحة التوبة إقامة الحد، بل ينبغي على الإنسان إذا وقع في شيء من الفواحش أن يستر على نفسه ولا يفضحها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: .. أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
وأما عن قبول التوبة من الزنا مع الإصرار على غيره من الذنوب، فالجمهور على صحة التوبة من الذنب إذا تحققت شروطها ولو مع الإصرار على غيره.
جاء في الموسوعة الفقهية: تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره عند جمهور الفقهاء..
وذهب بعض المحققين إلى التفريق بين كون الذنبين من نفس الجنس أم لا، قال ابن القيم في مدارج السالكين: والذي عندي في هذه المسألة: أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه، وأما التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلق له به ولا هو من نوعه: فتصح. .
لكن على كل الأقوال ينبغي أن تعلم أن التوبة مع الإصرار على بعض الذنوب، لا تكون كالتوبة من جميع الذنوب.
قال ابن عثيمين في مجموع الفتاوى والرسائل: لكن لا يستحق الوصف المطلق للتوبة وما يستحقه التائبون على الإطلاق من الأوصاف الحميدة والمنازل العالية حتى يتوب إلى الله من جميع الذنوب.
ولا شك أن استماع الأغاني المحرمة، مما يغضب الله ويفسد القلب، كما أن الصلاة بالمساجد من سنن الهدى، ومما يقوي صلة العبد بربه ومما يمحو الله به الخطايا، فينبغي أن تحرص على أداء الصلاة في المسجد وتربط قلبك به، وتترك استماع الأغاني المحرمة، وتحرص على صحبة الصالحين، وحضور مجالس العلم والذكر.. وأما عن كون الزاني يعيش طيلة عمره في الفقر، فغير صحيح.
واعلم أن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع..
ونوصيك بالمبادرة إلى الزواج إذا كنت لم تتزوج.
والله أعلم.