السؤال
نرجو من حضرتكم تفصيل مسألة الجمع بين أحاديث لن يلج النار من فعل كذا وكذا، وبين الأحاديث التي تتوعد العاصي بالنار؟ مثلا لن يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها أو معنى الحديث؟ وبين حقا على الله أن يسقي شارب الخمر طينة الخبال؟
نرجو من حضرتكم تفصيل مسألة الجمع بين أحاديث لن يلج النار من فعل كذا وكذا، وبين الأحاديث التي تتوعد العاصي بالنار؟ مثلا لن يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها أو معنى الحديث؟ وبين حقا على الله أن يسقي شارب الخمر طينة الخبال؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن فهم أهل السنة لنصوص الوعد والوعيد مستمد من القاعدة الكلية التي أرساها قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما{النساء:48}
فدلت الآية بوضوح على أن من عصاة الموحدين من يغفر له فلا يدخل النار، وعلى أن منهم من يدخلها، ودلت السنة الصحيحة على أن من يدخل النار من الموحدين لا يخلد فيها بل مآله إلى الجنة، فإذا جاءت نصوص تدل على أن من فعل كذا لا يعذب فهي محمولة على وجود المقتضي وانتفاع المانع، أو تحمل على وجوه أخرى من التأويل ليحصل الجمع بينها وبين النصوص الدالة على وعيد عصاة الموحدين، مثال ذلك الحديث الذي ذكرته في السؤال.
قال ابن الجوزي رحمه الله: وفي الحديث الثاني لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فإن قيل كيف الجمع بين هذا وبين دخول الموحدين النار وقد صلوا، فالجواب من خمسة أوجه: أحدها: أن يكون قال هذا قبل نزول الحدود وبيان المحرمات. والثاني أن يكون خارجا مخرج الغالب، والغالب ممن صلى وراعى هاتين الصلاتين أن يتقي ما يحمل إلى النار. والثالث: لن يدخلها دخول خلود. والرابع: أن يراد به النار التي يدخلها الكفار. والخامس: أن يكون هذا حكمه ألا يدخل النار كما تقول إذا رأيت دارا صغيرة هذه لا ينزلها أمير وقد ينزلها. انتهى.
وعلى هذا تقاس جميع نصوص الوعد والوعيد فإنها موقوفة أيضا على وجود المقتضي وانتفاع المانع، وفيها نظير الوجوه السابقة من التأويل، وبذلك يحصل الجمع بين النصوص فتأتلف ولا تختلف، ولا يضرب بعضها بعضا، بل تكون كلها دالة على مدلول واحد هو معتقد أهل السنة والجماعة الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
والله أعلم.