حقيقة الدنيا وهل يصح أن يقال إنها غير عادلة

0 422

السؤال

أكثر من التفكير وأحيانا القول بأن الدنيا غير عادلة. بمعنى آخر، أن الإنسان يمكن أن لا يأخذ ما يستحقه من سعادة وراحة في هذه الدنيا. إذا هي غير عادلة له. أؤمن -والحمد لله- أن الله هو العدل وأن كل ما يأتي به الله أو يقدره هو خير لنا حتى ولو لم نعلم الحكمة فيه. وكل ما يأتيني الشيطان يوسوس لي أقول في نفسي: ربي أعلم مني بما هو خير لي وأسكت.
فهل تفكيري في ما ذكرته في البداية خاطئ :الدنيا غير عادلة، أو أنه يعارض شيئا من الدين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالدنيا ـ كما هو معروف ـ ليست بدار جزاء ووفاء، وإنما هي دار محنة وابتلاء، وذلك أنها لم تخلق للدوام والبقاء بل للزوال والفناء، روى الطبري عن ابن جريج في قوله تعالى: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال: أما الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء، والآخرة دار جزاء ثم بقاء، فتتفكرون فتعملون للباقية منهما.

فلا يصح أن يحكم على حال الدنيا بمعزل عن الآخرة، فإن الله تعالى لم يخلقها إلا ليبتلي بها عباده ويمتحنهم فيها، كما قال سبحانه: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا. {هود:7}.

ولذلك قال الله عز وجل: لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد*متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد *لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار.  {آل عمران: 198،197،196 }.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم.

وقال -أيضا -صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء. رواه الترمذي وصححه، وصححه الألباني.

 وقال صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه مسلم.

ومر صلى الله عليه وسلم على سخلة ميتة فقال لأصحابه: أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله. فقال: فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها. رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.

فلا غرابة إذن أن يحرم منها الأنبياء والصالحون ويشدد عليهم فيها، ويعطاها أعداء الله ويوسع عليهم فيها.

 فعن أبي سعيد الخدري قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك. قال: إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجر. قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء. قلت: يا رسول الله ثم من؟ قال: ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء. رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.

ودخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم  فما رأى في بيته شيئا يرد البصر، فقال: ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم ـ وكان متكئا ـ فقال: أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. متفق عليه.

فإن كان هذا هو ما تعنيه السائلة بقولها: الدنيا غير عادلة. بمعنى أن ليست ميزانا للتفاضل بين الناس، وأن حصول زهرتها لا يدل على رضا الله، فهذا صحيح، ويدل عليه قوله تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن*وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن*كلا.. {الفجر:17 }.

وكذلك إن كانت تعني أن إقامة العدل المطلق لا يكون في الدنيا بل يكون في الآخرة، فقد قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين. {الأنبياء:47}

 وقال صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.

على أننا ننبه السائلة الكريمة أنه لا ينبغي الانشغال بسب الدنيا وعيبها، بل النافع أن يزهد العبد فيها ويأخذ منها ما يعمر به آخرته، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 96397.

 


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات