السؤال
هل إصرار العبد على بعض الذنوب، وما يترتب عليه من خشية الناس والتستر منهم قد يؤدي به إلى الشرك وإحباط العمل؟
هل إصرار العبد على بعض الذنوب، وما يترتب عليه من خشية الناس والتستر منهم قد يؤدي به إلى الشرك وإحباط العمل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإصرار هو المواظبة على المعصية وعدم الإقلاع، فالعبد يعتبر مصرا إذا لم يقلع عن المعصية ولم يتب منها ويندم على فعلها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 66518.
ولا تلازم بين الإصرار على المعصية وبين الشرك. كما أن إصرار العبد على شيء من الذنوب عدا الشرك، لا يؤثر على قبول أعماله الصالحة، اللهم إلا الذنوب التي خصها الشرع بأنها مبطلة للعمل، كالمن والأذي يبطل الصدقة. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 35296.
وكون المصر على ذنب من الذنوب يستخفي من الناس ويخشاهم، لا يعني أنه مشرك أو أن عمله كله قد أحبط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات، لكن قد تحبط ما يقابلها عند أهل السنة. اهـ. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: لا تحبط طاعة بمعصية غير الردة المذكورة .. وقال ابن عقيل: لا تحبط طاعة بمعصية إلا ما ورد في الأحاديث الصحيحة فيتوقف الإحباط على الموضع الذي ورد فيه ولا نقيس عليه. اهـ.
بل إن المستتر بمعصيته أهون جرما من المجاهر بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين. رواه البخاري ومسلم. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 29331، 76194.
وليس معنى ذلك التهوين من شأن الإصرار على الذنوب، فإن المصر معرض لغضب الله وعقابه، وقد يستدرجه الشيطان بخطواته إلى ما هو أكبر من ذلك، حتى يوقعه في الكفر، وقد ذكروا من أمثلة ذلك قصة مشهورة في تفسير قوله تعالى: كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين .{الحشر: 16}. كما ذكر الطبري وابن كثير وغيرهما. وراجع للفائدة الفتويين رقم: 54604، 63343.
ويكفي في الزجر عن التستر بالذنوب عن أعين الناس ومبارزة الله بها، قول الله تعالى: يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا. {النساء:108}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا .. أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها. رواه ابن ماجه، وصححه البوصيري والألباني.
فهكذا قد يكون حال العبد إذا حصلت مقاصة بين حسناته ومعاصيه في السر، أو غلب عليه هذا التناقض حتى يصير ـ والعياذ بالله ـ منافقا منكوس القلب، صالحا مستقيما في الظاهر، فاسدا خبيثا في الحقيقة والباطن.
والله أعلم.