السؤال
السادة العلماء الكرام. لقد ورد في أحاديث كثيرة ومنها أحاديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أناسا في النار يعذبون. كحديث: قال فنظر في النار فإذا قوم يأكلون الجيف قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس. ورأى رجلا أحمر أزرق جعدا شعثا إذا رأيته قال: من هذا يا جبريل؟. قال: هذا عاقر الناقة. وحديث: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. كما ورد أن الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة... الخ.فكيف نوفق بين هذه الأحاديث وما فيها وبين علمنا أن القيامة لم تقم بعد، ولم يحصل للناس حساب، ولم يقض بينهم، فيكف كان أولئك في النار وأولئك في الجنة، ولو كانت تلك الأحاديث تتكلم عن وعد أو وعيد، لكان الأمر واضحا، ولكنها تتكلم عن وجود أولئك في النار وأولئك في الجنة وجودا محققا.
فما هو هو توجيه ذلك، حفظكم الله ورزقنا وإياكم بفضله جنة النعيم؟
فأرجو التكرم بالإجابة مفصلة مع ذكر المراجع إن أمكن، لأنها مسألة شغلت البال ودار حولها نقاش. راجيا عدم إهمالها.
ولكم الشكر والتقدير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا تعارض بين ما جاء في الأحاديث الصحيحة التي رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة الإسراء والمعراج وبين عدم قيام الساعة وحساب الناس؛ حتى نحتاج إلى أن توفق بينهما؛ فإخباره صلى الله عليه وسلم بذلك قد يكون من عذاب البرخ ونعيمه، وهما مما يجب على المسلم أن يؤمن به، لأنهما ثابتان بالكتاب والسنة كما في قوله تعالى: النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. {غافر:46}.
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في صاحب القبرين: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. الحديث رواه البخاري ومسلم .
وقوله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. {آل عمران:169}.
وقد يكون بعض ذلك من الأمور الغيبية التي كشف الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عنها مما سيقع ويؤول إليه أمرالجميع في الآخرة، ولو لم يكونوا قد حوسبوا بعد ؛ لأن الله تعالى القادر على كل شيء وهو علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون كيف يكون قادر على الكشف عن ذلك، كما سبق بيانه في الفتوى: 69187 .
ولا إشكال في ذلك بالنسبة للمسلم الذي يؤمن بقدرة الله تعالى المطلقة وعلمه بما هو كائن .
وإن كان قصدك التوفيق بين الحديثين في الذين يقعون في لحوم الناس؛ فإن الحديث الأول حديث ضعيف كما قال الأرناؤوط في تعليقه على المسند، والألباني في ضعيف الترغيب والترهيب.
وأما الحديث الثاني فهو حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني والأناؤوط.
والتعارض لا يكون بين صحيح وضعيف؛ فالصحيح هو المقدم- على كل حال- إذا حصل تعارض ولا اعتبار للضعيف.
ومع هذا فإن كونهم يأكلون الجيف كما في الحديث الأول، و كونهم يخمشون وجوههم كما في الحديث الثاني لاتعارض فيه ؛ فيمكن أن تكون هذه حال صنف منهم وتلك حال صنف آخر، كما يمكن أن يكونوا يعذبون بهذا تارة وبهذا آخرى.
والله أعلم .