علامات محبة الله تعالى لعبده ورضاه عنه

0 460

السؤال

كيفية الثبات على الطاعة؟ كيف أعرف برضى ربي علي ؟ كيف أعلم أن الله يحبني ويرضى على؟
تبت من ذنب واستغفرت من هذا الذنب، لكن إذا كان عندي ذنب آخر فهل الله لم يقبل التوبة من الذنب الأول؟ هل لن يرضي عني بسبب الذنب الآخر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما كيفية الثبات على الطاعة، فقد سبق بيانها في الفتويين رقم: 15219، 12928. فارجع إليهما. وأما علامات محبة الله لعبده ورضاه عنه فهي كثيرة، وأخصها حب العبد لله تعالى،واتباعه لنبيه، فمن أحب الله بصدق واتبع هدي نبيه عليه الصلاة والسلام أحبه الله. قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. {آل عمران:31 }.

ومنها  الاتصاف بالصفات التي  ذكرها الله تعالى في قوله: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لآئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.

 

ومن علاماتها الابتلاء بالمصائب المكفرة، إذا قوبلت بالصبر إذ هي كالدواء، فإنه وإن كان مرا إلا أنـك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح : إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.  رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.

ومن علاماتها أن يتولى الله تعالى أمره ظاهره وباطنه، فيكون هو المستعمل لجوارحه، فلا يسمع إلا ما يرضي الله، ولا يرى إلا ما يحبه الله، ولا يعمل بيده إلا ما يرضاه الله، ولا يذهب إلا إلى ما يحبه الله، ويكون دعاؤه مسموعا مجابا، ويكون محفوظا من كل سوء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه.  رواه البخاري.

 وكما يسدد الله ظاهره فإنه تعالى بفضله وكرمه أيضا يسدد باطنه، ويجعل همومه هما واحد، ويبغض الدنيا في قلبه، ويوحشه من غيره، ويؤنسه بلذة المناجاة في خلواته، ويكشف له الحجب بينه وبين معرفته.

ومن علاماتها أن يكون محبوبا مقبولا عند الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبوه. فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. متفق عليه.

 وقد علق الله عز وجل محبته في الكتاب والسنة على أوصاف وأعمال كثيرة، فمن قام بهذه الأوصاف وتحلى بها وعمل تلك الأعمال رجاء مثوبة الله جل وعلا وابتغاء وجهه الكريم فإنه يرجى له أن يحظى بمحبة الله عز وجل.

وكل ما سبق ذكره إنما هو على وجه العموم، أما بالنسبة لعبد معين، فلا نستطيع القطع بمحبة الله له بعينه من عدمها؛ لأن ذلك من الغيب المحجوب عنا، ولكننا نرجو ذلك للمحسنين الذين امتثلوا ما يستوجبون به محبة الله لهم.

فإذا وجدت شيئا من هذه العلامات فلا تغتر بها، ولتحذر من مكر الله، واسأله حسن الختام.

وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 22830، 58064 .

أما قبول توبتك من ذنب مع أن عندك ذنبا آخر، ففيها قولان لأهل العلم،  فمنهم من منع صحة التوبة من ذنب مع إصراره على غيره، ومنهم من صحح ذلك.

وهذا مذهب الجماهير بل حكاه بعضهم إجماعا، وتوسط ابن القيم رحمه الله فذهب إلى أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه، وأما التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلق له به ولا هو من نوعه فتصح، كما إذا تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر مثلا، فإن توبته من الربا صحيحة، وأما إذا تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النسيئة، أو تاب من تناول الحشيشة وأصر على شرب الخمر، فهذا لا تصح توبته. وراجع بسط كلامه في كتاب مدارج السالكين عند كلامه على منزلة التوبة.

ونلفت نظرك أيها السائل الكريم إلى أنه حتى وإن قبل الله توبتك من ذنب وأنت مقيم على آخر، فإن منزلتك عنده ليست كمنزلة التائب من جميع الذنوب. وتسويف التوبة هو الآخر ذنب يحتاج إلى توبة منه؛ فإن التوبة واجبة من جميع المعاصي بلا استثناء. قال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.{النور:31}. وقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا. {التحريم:8}.

وتذكر قوله تعالى: وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون* واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون* أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين*أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين* أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين. {الزمر:54- 58}.

 والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات