الجمارك والضرائب التي تفرضها الدولة بين الحل والمنع

0 329

السؤال

لقد قرأت في بنك الفتاوى المتعلق بالفتاوى عن الجمارك فوجدت المفتي يفتي بما يسأله الناس وفق أهوائهم، لذا أردت التوضيح فمثلا: فتوى: رقم 9955 ، يسأل صاحب السؤال عن حكم التهرب من الجمارك وفي سؤاله كذلك أن الدولة تستخدم الأموال في المحرمات، ومما لاحظت أن المفتي ذهب مع صاحب السؤال والحقيقة أن الدولة عندنا تستخدم هذه الأموال في بناء المستشفيات والمدارس وتعبيد الطرقات وتقديم مساعدات للمعوزين عن طريق صندوق التضامن إلى غير ذلك.
وفي السؤال: رقم 8097 ، أجاز المفتوى لصاحب الفتوي دفع الرشوى، وبما أنني موظف في إدارة الجمارك تصور أن كل مستورد للبضاعة دفع الرشوة إلى الموظفين، فماذا يحدث بعد ذلك؟ ستصبح الدولة عبارة عن لعبة يتلاعب بها هؤلاء المستوردون وهم في الحقيقة بهذه المعاملة سوف يخربون الاقتصاد الوطني وتتفتت الحياة الاقتصادية وسوف تغلق المؤسسات العمومية التي تشغل الملايين من العائلات وسوف تندثر الدولة ويذهب ريحها، فالجمارك فرضها ولي الأمر للمصلحلة العليا للبلاد، لأن الأموال هذه لا تذهب إلى جيب ولي الأمر، وإنما هي تحصل لفائدة الخزينة العمومية، ومنها تقام مشاريع تنموية مثل: إنشاء مصانع وتعبيد الطرقات وبناء مدارس وجامعات والتي سوف يستفيد منها الذي فرضت عليه هذه الرسوم في تعليم ابنه في المدرسة والجامعة مجانا، والعلاج المجاني في المستشفي، ومن هنا لا بد أن ننظر للواقع قبل إصادر الفتوى، لأن جل أصحاب الفتوى في هذا المجال يريدون الترخيص في الفتوى للاستيراد ويفكرون في مصالحهم الخاصة ولا تهمهم مصلحة الوطن، حيث لاحظت أنهم يستعملون مفرادات مثل استعمال الحاكم الأموال في غير ما شرع الله وهم بذلك يريدون الفتوى على حسب أهوائهم، وهذه بعض الملاحظات التي لاحظتها بما أنني في الميدان قد أكون مصيبا وقد أكون مخطئا.
والله ولي التوفيق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية ينبغي أن ينتبه السائل الكريم إلى أن المفتي إنما يفتي على نحو ما يسمع، فإن أخطأ المستفتي أو كذب فهذا لا يحل له حراما ولا يحرم عليه حلالا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار. رواه البخاري ومسلم.

فإذا ذكر السائل مثلا أن دولته تستخدم أموال الجمارك والضرائب في المحرمات، فالعهدة عليه هو لا على المفتي، ومع ذلك ففي الفتويين اللتين ذكرهما السائل وما أحيل عليه فيهما، كان الجواب بتفصيل، فلسنا نفتى بحرمة ذلك أو إباحته مطلقا، وإنما يكون الحكم بحسب الواقع، والأصل ـ بلا شك ـ أن الضرائب والجمارك أكل بالباطل لمال المسلم الذي لا يحل إلا بطيب نفس منه، إلا إذا كانت الموارد العامة للدولة لا تفي بحاجة الأمة ومصالح الناس، وكانت تفرض لسد هذه الحاجة والقيام بتلك المصالح بالفعل، فلا حرج على ولي الأمر في فرضها بالقدر الذي يفي بالغرض دون إجحاف، وعندئذ لا يجوز التهرب منها، وإلا فقد سبق أنه لا يجوز فرضها أصلا، وقد ذكرنا هذا التفصيل في مواضع، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 592، 5107، 30305، 65250، 75607، 37158، 26096 ، 5811.

كما أننا أشرنا إلى الحكم الأصلي في مواضع أخرى، كما في الفتاوى ذات التالية أرقامها: 7489، 8097، 13356 ، وذلك بحسب مقتضى السؤال، وبناء على هذا التفصيل يبنى حكم التهرب من الضرائب والجمارك بشكل عام، أو بدفع الرشوة للتخلص منها بشكل خاص، وذلك من باب تقليل الضرر، فإن القاعدة: أن الضرر يزال.

ولا يخفى على السائل الكريم أننا في الفتوى التي أحال إليها برقم: 9955 ، قد أشرنا إلى ضرورة المحافظة على اقتصاد الأمة وغير ذلك من المصالح العامة، والسعي في تحقيقها وتحصيلها وحرمة الإخلال بها، وهذا فيه رادع لمن يخاف الله ويتقيه في كسبه، بخلاف من وصفهم السائل بأنهم ـ يفكرون في مصالحهم الخاصة ولا تهمهم مصلحة الوطن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات