الحكمة من الابتلاء، وما يشرع فعله عند نزول البلاء

0 2246

السؤال

إذا كان الله قد كتب علينا بلاء أو مشقة، فلماذا يترك ذلك ينزل بنا؟ هل لأن الله يريد اختبار ثقتنا به وتوكلنا عليه، أم هل ذلك أمر لا يعلمه إلا الله؟ وهل حقا أن أمر المسلم كله له خير إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، فهو يثاب على توكله على الله، وعلى ثقته بالله تحت كل الظروف؟ وماذا يجب على الشخص فعله إن أصابته ضراء، هل يمكنكم أن تخبروني بكل ما يجب على المسلم فعله كالصبر والصلاة... الخ؟ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين عندما مثلا: تهب رياح قوية، فكيف تصلى الركعتان تلك؟ هل هما كركعتي الفجر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإننا سنلخص لك الإجابة على أسئلتك في عدة نقاط:

أولا: عليك أن تعلم أن الله لا يسأل عما يفعل، قال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [الأنبياء:23].

ثانيا: أن ما يصدر عن الله في كتابه العزيز، أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أحكام وتشريعات لا يخلو عن حكمة، وعلى المسلم القبول بها والتسليم، سواء أدرك الحكمة أم لم يدركها.

ثالثا: أن الابتلاء تارة يكون لتكفير الخطايا، ومحو السيئات، كما في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.

وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.

قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصا ولا عذابا.

وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال تعالى: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين [العنكبوت:2-3]. فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.

وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وحسنه السيوطي.

رابعا: على المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.

فالمؤمن الذي تصيبه السراء والنعمة فيشكر ربه يحصل الخير، وذلك لأن الله يحب الشاكرين، ويزيدهم من نعمه، قال تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم [إبراهيم:7]. والمؤمن الذي يصبر على الضراء ينال أجر الصابرين، كما قال تعالى: وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [البقرة:155-157].

وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من يصبر على فقد (موت) ولده ولا يجزع، بل يسترجع، ويحمد الله، أن الله يبني له بيتا في الجنة جزاء على صبره وشكره، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. ومعنى استرجع: قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، فعلى المؤمن أن يقول ذلك إذا أصابته مصيبة من المصائب، وعليه أن يرجع إلى الله، وأن يكثر من ذكره ومن الصلاة، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر يفزع إلى الصلاة. ومعنى حزبه: نزل به أمر مهم.

ومن الأمور التي تهون المصائب: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء، وتلاوة القرآن الكريم، وتوثيق الصلة بالله سبحانه، والتوبة من كبائر الذنوب...إلخ.

وأما ما يشرع للمسلم عند هبوب الريح؛ فهو أن يدعو بما كان يدعو به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به. رواه البخاري ومسلم، وهذا موضع اتفاق فيما نعلم.

وأما الصلاة؛ فموضع خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازها، ومنهم من منعها، ودليل الجواز هو دخولها في عموم مدلول حديث حذيفة -رضي الله عنه- حيث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. رواه أحمد وأبو داود.

ومن العلماء من قال بأنه يشرع للمسلم أن يسجد عند هبوب الريح، أخذا بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم آية فاسجدوا. رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس، وحسنه الألباني.

قال العظيم آبادي في عون المعبود: قال الطيبي هذا مطلق فإن أريد بالآية خسوف الشمس والقمر، فالمراد ‌بالسجود ‌الصلاة وإن كانت غيرها كمجيء الريح الشديدة والزلزلة وغيرهما، فالسجود هو المتعارف، ويجوز الحمل على الصلاة أيضا لما ورد: كان إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة. انتهى. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، كتاب الطهارة. باب السجود عند الآيات.

وعلى كل؛ فإن الدعاء محل اتفاق من الجميع كما تقدم، وأما السجود والصلاة، فإن على كل واحد منهما جمعا من أهل العلم، فأي ذلك فعل الشخص كان له فيه سلف صالح من الأمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات