السؤال
أبي متزوج من اثنتين، والزوجة الأولى منها أنا وإخوتى الصبيان، والثانية منها بنتان، وأبي دائما يفضل البيت الثاني على البيت الأول، وكنا ونحن في الصغر نراه ساعة أو ساعتين في اليوم ثم يذهب إلى البيت الثاني، وتربينا على ذلك، وحتى في الأكل أو الملبس ما كان يأتي به أبي كنا نأخذه، وكان أبي يعلل بذلك أنه على قدر حاله؟
والحق يقال إن أبي لم يتأخر عنا في التعليم في شيء، ولكنه كان بعيد عنا حتى الصلاة لم يعلمها لنا، وحتى الطهارة لم نعرفها منه، وهكذا مضت السنون وكبرنا والحمد لله، وأنا وإخوتى في أحسن حال، وكذلك أولاده من البيت الثاني، وأولاده البنات متزوجات؟
وللعلم أن لديه معاشا لا تأخذ أمي منه شيئا وكذلك نحن، وعندما خرج على المعاش لم نأخذ منه شيئا أيضا، وإنما كان كل ذلك للبيت الثاني.
وأبي في هذا الوقت الحاضر يفتعل معنا المشاكل من أجل أن يأخذ منا فلوسا بحجة أنه مريض، وعندما مرض وجاء له ورم خبيث في المثانة لم نتركه وكنا ندفع له فلوس العلاج كلها بالرغم من أن لديه تأمينا صحيا، ولكننا كنا نذهب به للعلاج فى مستشفى خاصة وإخوته شاهدون على ما يفعله معنا، وكان أخى الكبير يبعث له بالفلوس التي يحتاجها عن طريق أعمامي.
ولكنه كان يطلب فلوسا كل عشرة أيام بحجة أنها مصاريف للعلاج، ويتخذ من حديث رسول الله ( أنت ومالك لأبيك ) ذريعة لذلك على الرغم من أنه لا يعرف تفسير ذلك الحديث. المهم ياسيدي حتى لا أطيل عليكم أنه لا يوجد بينا اتصال بينا وبينه إلا عندما يكون يحتاج لشيء يطلبه من أخي الكبير.
وفي آخر مرة طلب من أعمامى أن يدفع كل واحد منا مائة شهريا أنا وأخي الكبير وأخي الأوسط، ولكن أنا وأخي الأوسط رفضنا ذلك، وأخي الكبير قال أنا سأظل أدفع له هذه المائة جنيه الخاصة به على الرغم من تكليف العلاج التى يدفعها أيضا، وهو لديه معاش، ولديه تأمين صحي.
فهل نحن إذا لم نعطه أي فلوس يكون علينا وزر في ذلك، وللعلم نحن نصرف على أمنا لأنه لا يرسل أي شيء من المال، كما أن لدينا أولادا ومصاريف أخرى، ونحن نعرف أخباره من إخوته، وهو لا يعرفنا إلا عندما يكون محتاجا للفلوس. فهل نحن مخطئون في ذلك وعلينا وزر، وسنعاقب أمام الله بسبب ذلك؟ نريد التوضيح. ولسيادتكم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن أباكم – عفا الله عنه – قد وقع في بعض المخالفات الشرعية، ومنها ترك العدل بين أولاده وزوجتيه، وهذا واجب لا يسعه تركه بحال، كما بيناه مفصلا في الفتاوى التالية: 14254، 31514، 112748.
ولكن مع هذا فإنا نوصيكم بالصبر عليه والإحسان إليه بكل سبيل فإن بره – خصوصا حال مرضه وكبر سنه – من أعظم الطاعات، وعقوقه من أعظم الكبائر الموبقات، جاء في صحيح البخاري وغيره أن رسول الله– صلى الله عليه وسلم – قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.
والنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله في بر الوالدين وصلتهما والإحسان إليهما كثيرة مشهورة، قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء: 22-24}.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله "من أبر؟ قال : أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب " حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني. وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ولا يتغير الحكم في ذلك حتى وإن فرط أبوكم في حقوقكم، فإن الله سبحانه قد أوجب الإحسان إلى الوالدين حتى وإن كانا كافرين يدعوان ولدهما إلى الكفر بالله وبرهان هذا قوله تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}، وما رواه مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قدمت علي أمي وهي مشركة راغبة أفأصل أمي، قال: نعم، صلي أمك.
وأما ما يطلبه منكم من أموالكم، فإن كان بحاجة إليها فيجب عليكم أن تسدوا جميع حاجته من مطعم ومشرب ومسكن وعلاج. قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى. وقال الشافعي في الأم: أجبر الولد على نفقة الوالد، والوالد على نفقة الولد في الحين الذي لا غنى لواحد منهما عن صاحبه. انتهى.
أما ما عدا ذلك مما ليس بحاجة إليه فلا يجوز له أخذ شيء من أموالكم إلا بطيب نفس منكم، وقد يتعلق بعض الآباء بما رواه ابن ماجه وصححه الألباني من قول الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم – أنت ومالك لأبيك. ويتذرعون بذلك لأخذ أموال أبنائهم.
والحق أنه لا متعلق لهم بهذا الحديث وذلك لأن اللام في الحديث: ليست للملك بل للإباحة.
قال ابن القيم في" إعلام الموقعين": واللام في الحديث ليست للملك قطعا، ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث وإلا تعطلت فائدته ودلالته انتهى. ومما يدل على أنها ليست للملك أن الابن يرثه أولاده وزوجته وأمه، فلو كان ماله ملكا لوالده لم يأخذ المال غير الأب.
وليست الإباحة أيضا على إطلاقها، بل هي بشروط بيناها بالتفصيل في الفتوى رقم: 25339.
والله أعلم.