الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالطريق الصحيح: أن لا ينظر المرء إلى صغر الذنب، ولكن ينظر إلى عظمة من عصاه، وأنه يحاسب عباده على مثاقيل الذر، كما قال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. { الزلزلة: 8ـ 7 }.
وقال سبحانه: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين. { الأنبياء: 47 }.
وأن المرء يؤتى يوم القيامة كتاب أعماله فيجد فيه جميع أعماله صغارها وكبارها، وعندها لا ينفع التمني، ولات حين مناص، قال الله تعالى: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد. { آل عمران: 30 }.
وقال تبارك وتعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. { الكهف: 49 }.
وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليها:
الأمر الأول: أن الإصرار يصير الصغيرة كبيرة، كما قال شيخ الإسلام: إذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة، وإذا تاب منها غفرت. هـ.
والأمر الثاني: أن محقرات الأعمال وصغار الذنوب لها قدرها من الحساب والعذاب، فمتى اجتمعت على المرء أهلكته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه.
وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن مثلا فقال: كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها. رواه أحمد، وصححه الألباني بطرقه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: إياك ومحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالبا. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
قال القاري في المرقاة: طالبا ـ أي نوعا من العذاب يعقبه، فكأنه يطلبه طلبا لا مرد له، فالتنوين للتعظيم، أي طالبا عظيما، فلا ينبغي أن يغفل عنه بل ينبغي أن يخشى منه. هـ.
والمحقرات: قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: ما لا يبالي المرء بها من الذنوب. هـ.
وقال العيني في عمدة القاري: هي الذنوب التي يحتقرها فاعلها. هـ.
ومن أعظم مصائب هذه المحقرات أنها تظلم القلب وتسوده، إذا لم يتب منها صاحبها ويستغفر الله تعالى.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه: وهو الران الذي ذكر الله ـ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ـ وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
والأمر الثالث: أن الوقوع في الصغائر خطوة من خطوات الشيطان للوقوع في الكبائر.
وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم. { سورة البقرة: 209ـ 208 }.
قال السعدي: هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا في السلم كافة أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه ولما كان الدخول في السلم كافة، لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال: ولا تتبعوا خطوات الشيطان ـ أي: في العمل بمعاصي الله: إنه لكم عدو مبين ـ والعدو المبين، لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء، وما به الضرر عليكم، ولما كان العبد لا بد أن يقع منه خلل وزلل، قال تعالى: فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات ـ أي: على علم ويقين: فاعلموا أن الله عزيز حكيم ـ وفيه من الوعيد الشديد والتخويف ما يوجب ترك الزلل، فإن العزيز القاهر الحكيم، إذا عصاه العاصي قهره بقوته، وعذبه بمقتضى حكمته، فإن من حكمته تعذيب العصاة والجناة. هـ.
وأما بخصوص مسألة الكذب: فراجعي فيه الفتويين رقم: 26391، ورقم: 1824.
وفي موضوع النوم عن صلاة الفجر راجعي الفتاوى التالية أرقامها: