السؤال
لقد قررت أن أتوب من المعاصي الزنا واللواط والخمر وغيرها بعد ما أتتني وساوس من الشيطان بأن بي مرضا، وأجريت فحوصات والحمد لله سليم وأن الله لن يغفر لي وكثير من الوساوس، فالحمد لله ابتعدت عن تلك المعاصي وأصبحت محافظا على الصلاة وتلاوة القرآن والأذكار والاستغفار وغيرها من العبادات والطاعات والحمد لله وأشكره على ذلك، فهل فعلي صحيح؟ وأريد أن أعرف أيضا إن فعلت بعد ذلك خطأ (ذنبا) لا أعلم ما الذي جعلني أفعله وأنه من غير قصد مني واستغفرت ربي بعدها وأحسست بالندم والخوف، ووسوس لي أنه لن يغفر لي ربي وأنه غضب علي، فأرجوك يا شيخ أرح قلبي وضميري لأني أخائف ولا أعلم ماذا أفعل فأرشدني إلى الطريق الصحيح؟ وهل فعلي الذي ذكرته في البداية صحيح وأستمر عليه، وماذا تنصحني به؟ وآسف على الإطالة. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسنت وأصبت في التوبة والمواظبة على الطاعات، فالبدار بالتوبة أمر واجب، وعليك بسماع المواعظ ومطالعة كتب الترغيب والترهيب وأهوال القيامة والبرزخ حتى تطلع على مخاطر الذنوب في الدنيا والآخرة وما توعد الله به العصاة فإن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، ويدل لذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
وعليك أن تقصد بتوبتك وجه الله عز وجل، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين: النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء: وذكر منها: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله، أو لحفظ قوته وماله أو استدعاء حمد الناس، أو الهرب من ذمهم، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء، أو لقضاء نهمته من الدنيا، أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل.
واعلم أن باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، وأن الله تعالى غفور رحيم لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وهو تعالى لسعة جوده وعظيم مغفرته يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، كما في حديث مسلم فمهما كان ذنبك عظيما فإن عفو الله أعظم، فقد قال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر: 53}، فدع عند هذا الشعور والإحساس الكاذب بأنه لا توبة لك فإنما هو من تلبيس الشيطان وإرادته السوء بك، واطو صفحة الماضي وأقبل على ربك تعالى وأحسن الظن به فإنه تعالى عند ظن العبد به، وقد وعد من تقرب إليه شبرا بأن يتقرب إليه ذراعا ومن تقرب إليه ذراعا بأن يتقرب إليه باعا، وأخبر تعالى أن من جاهد نفسه فيه هداه الله سبله، فقال: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين {العنكبوت:69}، فلو صدقت في مجاهدة نفسك على ترك المعصية وحملت نفسك على فعل ما تكره من الطاعة وترك ما تحب من المعصية عالما أن الجنة حفت بالمكاره وأن النار حجبت بالشهوات، فإن الله تعالى سيعينك ويأخذ بناصيتك إلى الخير، ومما يعينك على ذلك البحث عن رفقة الخير والصحبة الصالحة فإنهم من أعظم العون على الاستقامة، يذكرون الناسي وينبهون الغافل والمرء على دين خليله كما روي في الحديث، والزم حلق الذكر ومجالس العلم واحرص على ملء وقت فراغك بالنافع من تعلم العلم وحفظ القرآن ونحو ذلك من أبواب الخير، واجتهد في الدعاء بأن يثبت الله قلبك على دينه فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه تعالى يقلبها كيف يشاء، وعليك أن تستحضر نظر ربك لك واطلاعه عليك ومراقبته إياك في الحركات والسكنات، فاستحي منه تعالى أن يراك على ما لا يحب أو يطلع منك على ما يكره.
وأما وقوع الذنب أحيانا مع البدار بالاستغفار وعدم الاصرار فإنه يغفره الله تعالى فالمصيبة أن يتابع العبد بين السيئات دون توبة واستغفار، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكته سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. رواه الترمذي. وقال حسن صحيح، وابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني.. ولكن من استغفر وندم وتاب صادقا يغفر الله له، فقد قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. رواه الترمذي وصححه الألباني. وليس معنى هذا ان الشخص يستمر على الذنوب متكلا على سعة رحمة الله، وإنما معناه أنه إذا ضعف واقترف ما لا يحل فإن صدق توبته تمحو أثر الذنب.
والله أعلم.