وجوب الخوف من الله تعالى والأسباب المعينة على حصوله

0 610

السؤال

عندما أعصي أتوب إلى الله، ولكن بعد ما يبرد عندي الخوف من الله أشعر أن الله ليس شديد العقاب وأحاول أن أغير هذا الشعور ولكن لا أستطيع إلا بعد مشقة، وبعدها أندم أنني شعرت أن الله ليس شديد العقاب، مع العلم أنني أحس أنني رضيت في قلبي أن الله ليس شديد العقاب، ولكن أحاول أن أرفضها، ولكن قلبي لا يقتنع وأحيانا أمشي وأشعر بأن الله ليس شديد العقاب، وعندما أريد أن أتوب أحس أنني لا أخاف من الله ـ والعياذ بالله ـ وأريد أن أرجع إلى الله وأن أخاف الله، ولكنني أجد صعوبة وكلما ندمت أشعر بأن الله ليست له عقوبة ولا أخاف الله، أريد أن أتوب، فكيف أخاف من الله؟ مع العلم أنني عندما أريد أن أخاف من الله أتذكر ذنوبي فأحيانا أخاف وأحيانا أشعر بأنها ولا شيء ولا أشعر من الخوف من الله، فهل هذا كفر؟ وماذا أفعل حيال عدم خوفي من الله؟ مع العلم أنني أقرأ أن الله شديد العقاب، ثم بعد الانتهاء من الآية كأنني لم أخف، فماذا أفعل؟ ولست راض عن الذي في نفسي وأشعر بالصعوبة من الخوف من الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الخوف من الله ورجاء رحمته واجبان يلزم العبد أن يتحلى بهما، فلا يأمن مكر الله ولا يقنط من رحمته فكما أن من صفاته الرحمة والعفو والمغفرة، فمن صفاته أنه ينتقم وأنه شديد العقاب، لقول الله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم.{الحجر:49-50}. ولقوله: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. {غافر: 3}.ولقوله: ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.

{الحجر: 56}.  ولقوله: ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون.{يوسف: 87}. ولقوله: أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.{الأعراف: 99}.

وعليك بالخوف من بطش الله الشديد وعقابه الأليم فاخش بأسه وتنكيله، فهو قادر على أخذك بما اقترفت، وهو القائل: أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. {النحل: 45}. وهو القائل: والله أشد بأسا وأشد تنكيلا. { النساء: 84}.وقال الله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.{النور:63}.وقال تعالى: ويحذركم الله نفسه.{آل عمران: 28}.

وقال الله تعالى: إن بطش ربك لشديد.{البروج: 12}. وقد امتدح الله الأنبياء والعباد الصالحين بالرغب والرهب، فقال: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين.{الأنبياء: 90 }.

وقال تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.{الزمر: 9}،

وإذا كان المؤمن العارف بربه المسارع في طاعته، وجل القلب مع طاعته، فمن باب أولى أن يوجل العاصي ويخاف، كما قال تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون.{المؤمنون: 60-61}.قالت عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.  وقال ابن مسعود: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه قال به هكذا فطار. رواه البخاري وقال الحسن البصري: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن. اهـ. وقال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: الأنبياء عليهم السلام يعلمون أنهم مأمونوا العواقب ومع ذلك هم أشد خوفا، والعشرة المشهود لهم بالجنة كذلك، وقد قال عمر ـ رضي الله عنه: لو أن رجلي الواحدة داخل الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله. اهـ. وقد بوب البخاري في صحيحه: باب الرجاء مع الخوف.قال الحافظ ابن حجر في ـ الفتح: أي استحباب ذلك، فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر، وفي الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم، والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع، فهذا في غرور، وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي: من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو.وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة، وقيل: الأولى أن يكون الخوف في الصحة أكثر وفي المرض عكسه، وأما عند الإشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى، ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر، فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته، ويؤيده حديث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.وقال آخرون: لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن، ويؤيده ما أخرج الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف. اهـ.

وحدبث الترمذي الذي ذكر الحافظ حسنه الشيخ الألباني. ومن الوسائل المهمة المعينة على تحصيل الخوف من الله، كثرة المطالعة في النصوص التي تتحدث عن الترغيب والترهيب وأحوال القبور وأهوال الآخرة، وأنواع النكال والعذاب في النار، فالاطلاع على هذه النصوص يربي الخوف من الله حتى يجعله أحيانا يترك الشهوات المباحة، كما يدل عليه الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. ومما يساعد على الخوف ـ أيضا ـ معرفة ضرر الذنوب في الدنيا، وقد ساق ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه: الداء والدواء أضرارا كثيرة للذنوب منها: الوحشة في القلب، وتعسير الأمور، ووهن البدن، وحرمان الطاعة ومحق البركة، وقلة التوفيق، وضيق الصدر، واعتياد الذنوب، وهوان المذنب على الله، وهوانه على الناس. إلخ.

فننصحك بمراجعة هذا الكتاب القيم، فهو كتاب مليء بالفوائد والعظات، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 12928 18074 21081 25324.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات