السؤال
ما معنى الزهد في الإسلام؟ وهل من الزهد أن ينام الشخص على الأرض بدون فرش, ولو كان له سرير؟وهل من الزهد أن يأكل الشخص خبزا ويشرب ماء فقط, ولو كان يستطع أن يأكل من طعام آخر؟.
ما معنى الزهد في الإسلام؟ وهل من الزهد أن ينام الشخص على الأرض بدون فرش, ولو كان له سرير؟وهل من الزهد أن يأكل الشخص خبزا ويشرب ماء فقط, ولو كان يستطع أن يأكل من طعام آخر؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فليس الزهد في الدنيا بتحريم الطيبات وكف النفس عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس ولم يحرم على نفسه شيئا أباحه الله له، وهذا كلام نفيس في حقيقة الزهد وبم يتحقق ننقله من كلام العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ قال في مدارج السالكين ما عبارته: وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه الأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين.
والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا وأخذه في منازل الآخرة وعلى هذا صنف المتقدمون كتب الزهد كالزهد لعبد الله ابن المبارك وللإمام أحمد ولوكيع ولهناد بن السري ولغيرهم ومتعلقه ستة أشياء: لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها: وهي المال والصور والرياسة والناس والنفس وكل ما دون الله، وليس المراد رفضها من الملك، فقد كان سليمان وداود ـ عليهما السلام ـ من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء ما لهما، وكان نبينا من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة وكان علي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف والزبير وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال، وكان الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ من الزهاد مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحا لهن وأغناهم، وكان عبدالله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد وكان له رأس مال يقول: لولا هو لتمندل بنا هؤلاء.
ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن، أو غيره: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة
المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك ـ فهذا من أجمع كلام في الزهد وأحسنه وقد روي مرفوعا. انتهى.
فالزاهد هو الذي يقنع بما آتاه الله ولا يأسى على ما فاته من الدنيا ولا يعلق قلبه بغير ربه تعالى ويكون بما في يد الله أوثق مما في يده، ويعرض عن كل ما يشغله عن ربه وعبادته، فالزاهد الحق هو من سلك مسلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمثل هذا هو الزاهد حقا، قال ابن رجب ـ رحمه الله: وقال الفضيل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله عز وجل، وقال: القنوع هو الزهد، وهو الغنى.
فمن حقق اليقين، وثق بالله في أموره كلها، ورضي بتدبيره له، وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاء وخوفا ومنعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة، ومن كان كذلك، كان زاهدا في الدنيا حقيقة، وكان من أغنى الناس، وإن لم يكن له شيء من الدنيا. انتهى.
وهذه جملة من الآثار عن سلفنا الطيب نقلها عنهم الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم يتبين لك بها حقيقة الزهد وأنه ليس بتحريم الحلال والامتناع عن المباح، قال ـ رحمه الله: وسئل الزهري عن الزاهد فقال: من لم يغلب الحرام صبره، ولم يشغل الحلال شكره ـ وهذا قريب مما قبله، فإن معناه أن الزاهد في الدنيا إذا قدر منها على حرام صبر عنه فلم يأخذه، وإذا حصل له منها حلال لم يشغله عن الشكر، بل قام بشكر الله عليه.
قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لسفيان بن عيينة: من الزاهد في الدنيا؟ قال: من إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبرـ فقلت: يا أبا محمد قد أنعم عليه فشكر، وابتلي فصبر، وحبس النعمة، كيف يكون زاهدا؟! فقال: اسكت من لم تمنعه النعماء من الشكر، ولا البلوى من الصبر، فذلك الزاهد.
وقال ربيعة: رأس الزهادة جمع الأشياء بحقها ووضعها في حقها.
وقال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا بلبس العباء، وقال: كان من دعائهم: اللهم زهدنا في الدنيا، ووسع علينا منها، ولا تزوها عنا، فترغبنا فيها ـ وكذا قال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا: قصر الأمل، وقال مرة: قصر الأمل واليأس مما في أيدي الناس. انتهى.
فهذا هو الزاهد المتحقق بإياك نعبد وإياك نستعين، يقول ابن القيم في صفته: فهذا هو المتحقق بإياك نعبد وإياك نستعين حقا القائم بهما صدقا ملبسه ما تهيأ، ومأكله ما تيسر، واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ومجلسه حيث انتهى به المكان، ووجده خاليا لا تملكه إشارة ولا يتعبده قيد ولا يستولي عليه رسم، حر مجرد دائر مع الأمر حيث دار يدين بدين الآمر أنى توجهت ركائبه، ويدور معه حيث استقلت مضاربه، يأنس به كل محق ويستوحش منه كل مبطل، كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله والغضب إذا انتهكت محارم الله فهو لله وبالله ومع الله قد صحب الله بلا خلق وصحب الناس بلا نفس، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن البين وتخلى عنهم، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها فواها له ما أغربه بين الناس وما أشد وحشته منهم وما أعظم أنسه بالله وفرحه به وطمأنينته وسكونه إليه والله المستعان وعليه التكلان. انتهى.
والله أعلم.