السؤال
يقول النبي صلى الله عليه و سلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ـ كيف هذا ونحن نجد أن بعض الصالحين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كعمار بن ياسر وعائلته وبلال بن رباح نالوا قسطا من العذاب الشديد الذي لم يتعرض له بعض الأنبياء؟ أرجو التوضيح مع ذكر الأدلة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة وغيره، وقال البخاري: باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأول فالأول.
وقبل الجواب عما سألت عنه نحيلك أولا إلى معنى البلاء لغة واصطلاحا في فتوانا رقم: 33359.
فالبلاء ليس بالشر فقط، وإنما يكون بالشر وبالخير والعافية، كما قال تعالى: كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون {الأنبياء:35}.
وفي كل ذلك خير للمؤمن الصابر على الشر، وللمؤمن الشاكر للخير، ولحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى فإنه يبتلي بعض عباده بالخير وبعضهم بالشر وقد يجمع لبعضهم هذا وذاك كما وقع لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبروا على الشر فنالوا أجر الصابرين الذين قال الله تعالى فيهم: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون {البقرة:157}.
وشكروا على النعمة فنالوا ما وعد الله به الشاكرين في قوله تعالى: وسيجزي الله الشاكرين {آل عمران:144 }. وقوله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم {إبراهيم:7}.
ونحن لم نعلم ما ابتلي به الأنبياء والصالحون حتى نحكم بأن من سمي كان أشد منهم بلاء، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان يوعك من الحمى كما يوعك الرجلان، وقال العلامة المناوي في شرح الجامع الصغير: قال اليافعي: مات بين الحطيم وزمزم ثلاثمائة نبي من الجوع.
وقال صلى الله عليه وسلم عن الصالحين: وقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها فيلبسها، ويبتلى بالقمل حتى يقتله. الحديث رواه البخاري في الأدب المفرد وغيره، وصححه الألباني.
وقتل زكريا وابنه يحيى بن زكريا عليهما السلام وقتل الخلفاء الثلاثة والحسين وابن الزبير، وكون من ذكر أصابهم نوع من البلاء لم يصب غيرهم فإن غيرهم أصابته أنواع من أنواع البلاء لم تصب هؤلاء، وفي ذلك مزية لهم جمعيا، ويمكن أن يكون معنى الحديث: إذا ابتلى الله تعالى قوما، أو أراد ابتلاءهم فإن أشدهم بلاء الأنبياء، عن عبد الله قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ـ قلت ذلك أن لك أجرين؟ قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها.
وللمزيد من الفائدة عن البلاء والحكمة منه وأجر الصابرين انظر الفتاوى التالية أرقامها: 13270، 2587452762.
والله أعلم.