السؤال
قال الله تعالى: ثم تاب عليهم ليتوبوا ـ فكيف لي أن أعرف أن الله تاب علي حتى أتوب إليه؟.
قال الله تعالى: ثم تاب عليهم ليتوبوا ـ فكيف لي أن أعرف أن الله تاب علي حتى أتوب إليه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعبد مأمور بالمسارعة إلى فعل الخيرات والمبادرة بالتوبة من المعاصي والسيئات، فإذا تاب العبد من ذنبه فهذا دليل أن الله تاب عليه ـ أي أذن له في التوبة ووفقه لها ليتوب ويرجع إليه ـ فليؤمل في فضله وليرج واسع رحمته وليسأله، كما من بالتوفيق إلى التوبة أولا أن يمن بقبولها آخرا، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى: ثم تاب عليهم ليتوبوا ـ فقيل معنى: ثم تاب عليهم ـ أي وفقهم للتوبة ليتوبوا، وقيل: المعنى تاب عليهم، أي فسح لهم ولم يعجل عقابهم ليتوبوا.
وقيل:تاب عليهم ليثبتوا على التوبة.
وقيل: المعنى تاب عليهم ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم.
وبالجملة فلولا ما سبق لهم في علمه أنه قضى لهم بالتوبة ما تابوا، دليله قوله عليه السلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. انتهى.
فتوبة العبد محفوفة بتوبتين من الله تعالى، توبة قبلها وهي أن يوفقه للتوبة ويمن عليه بها، وهذه تعرف بحصولها ووقوعها من العبد، فإذا ألهم الله العبد التوبة فقد تاب عليه أولا، فإذا تاب العبد أتبع ذلك توبة أخرى من الله عليه يمن ويتفضل بها وهي قبوله لتلك التوبة وعفوه عن الزلة وإقالته العثرة، يقول ابن القيم رحمه الله: وتوبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة، قال تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم {التوبة:118} ـ فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم وأنها هي التي جعلتهم تائبين، فكانت سببا ومقتضيا لتوبتهم فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم والحكم ينتفى لانتفاء علته، وهذا القدر من سر اسميه الأول والآخر، فهو المعد وهو الممد ومنه السبب والمسبب وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه كما قال أعرف الخلق به: وأعوذ بك منك، والعبد تواب والله تواب فتوبة العبد: رجوعه إلى سيده بعد الإباق، وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق، وقبول وإمداد. انتهى.
وبه يتبين جواب سؤالك وأن الواجب عليك أن تتوب، فإن وفقك الله للتوبة علمت أنه تعالى قد تاب عليك فألح في مسألته أن يقبل ويقيل عثرتك إنه هو التواب الرحيم.
والله أعلم.