السؤال
لم قال الحق تبارك وتعالى ـ وأعتبره برنامجا لإصلاح أحوال الأمة واستقامتها دينا ودنيا وحياتينا الأولى والآخرة ـ في سورة الأعراف الآية: 170، بسم الله الرحمن الرحيم: والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين؟ فاكتفى الحق سبحانه وتعالى بالتمسك بالكتاب والصلاة للإصلاح ولم يضف لهما مصدرا آخر، أليس من حقنا على الله سبحانه وتعالى إرشادنا على مصادر أخرى لو كان ذلك ما يريده ويقصده؟ نود أن نفهم كي لا نقع في الذنب والمعصية، والسؤال من وجه آخر: هل أقبل من التاريخ مالم يقبله الكتاب العزيز المحكم، أو لم يذكر فيه؟ نرجوا الإيضاح مشكورين، أكرر هذه المواضيع، لأن هذا مما يشغلنا ويشغل الناس، ماذا أقبل؟ وماذا أرفض من المصادر الأخرى؟ وأي حق أتمسك به؟ وأي باطل أرفضه؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:
فإن التمسك بالكتاب هو عين الإصلاح، كما جاء في التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: وقوله تعالى: والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ـ وأقام ذكر المصلحين مقام الضمير، لأن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب، وقد ذكر الله تعالى إقام الصلاة على سبيل الخصوص تنويها بها وهذا من ذكر الخاص بعد العام وقد كثر في الصلاة كما في قوله سبحانه لموسى عليه السلام: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ـ وقوله تعالى: اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة ـ ونظائر ذلك كثيرة.
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بالوحي، ونبه سبحانه أنه هو الشرف الحقيقي والرفعة والمكانة المرموقة، فقال عز وجل: فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم* وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون { الزخرف: 43}.
ويدخل في التمسك بالقرآن التمسك بما ثبت في السنة، لأن في نص القرآن التصريح بأن السنة من الوحي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين لما جاء مجملا في القرآن، وأن المرء لا يعتبر مؤمنا إلا إذا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل صغير وكبير أخبر به، وحصلت له الطمأنينة بذلك، وأن من الواجب امتثال ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهى عنه، يقول الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى { النجم: 3-4}.
ويقول مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون { النحل:44}.
ويقول جل من قائل: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما { النساء:65}.
ويقول: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا { الحشر: 7}.
وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن المقدام بن معد يكرب الكندي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت الكتاب ومثله، ألا يوشك شبعان على أريكته يقول عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.
وفي رواية: ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله تعالى.
ويدخل في التمسك بالقرآن التمسك بما أجمع عليه وبالقياس المعتبر واجتهاد المجتهدين فيما ليس فيه نص لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر. متفق عليه. واستدل أهل العلم لحجية الإجماع بقوله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا {النساء:115}.
وقد بينا حجية القياس في الفتوى رقم: 75439.
وأما التاريخ: فما ثبت منه فهو مقبول على أنه خبر تاريخي ولو لم ينص عليه القرآن، ولكنه ليس بالضرورة مصدرا للتشريع، وأما ما دل القرآن على بطلانه من الأمور التاريخية فهو مرفوض لايصدقه المسلم ولا يعمل بمقتضاه.
والله أعلم.