السؤال
يوجد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد ـ بحثت ووجدت أن قراءة عبد الله بن مسعود هي من القراءات الشاذة؟ فلماذا لم يشارك عبد الله بن مسعود في نسخ المصحف مع أنه قال: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله، إلا وأنا أعلم فيما نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. حديث صحيح، صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
أما عن كيفية التوفيق بين هذا الحديث وبين كون القراءة المنسوبة لعبد الله بن مسعود هي من القراءات الشاذة؟ فالجواب عن هذا الإشكال قد فصّله الإمام أبو محمد مكي القرطبي المالكي -المتوفى: 437هـ - في كتابه: الإبانة عن معاني القراءات، حيث قال: فإن قيل: قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من أراد أن يقرأ القرآن غضا، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد ـ يعني ابن مسعود، وعنه أنه قال: من أراد أن يسمع كلام الله غضا، كما أنزل فليسمعه من فِي ابن أم عبد ـ وقد تركت قراءة ابن مسعود اليوم، ومنع مالك وغيره أن يقرأ بالقراءة، التي تنسب إلى ابن مسعود؟ فالجواب: ما قاله الحسين بن علي الجعفي قال: إن معنى ذلك أن ابن مسعود كان يرتل القرآن، فحض النبي الناس على ترتيل القرآن بهذا القول، دليله قوله في الحديث الآخر: فليسمعه من في ابن مسعود، فحض على سماع ترتيل القرآن، وكذلك الجواب عن الحديث الذي روي عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه كما يقرأ ابن مسعود ـ قال الجعفي: معناه أنه ليس يريد به حرفه الذي يخالف المصحف، إنما أراد ترتيله إذا قرأ، حض النبي صلى الله عليه وسلم أمته على ترتيل القرآن، وقد أمر الله -تبارك وتعالى- نبيه بذلك فقال: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ـ قلتُ: ولا ينكر أن يكون صلى الله عليه وسلم، أراد حرفه الذي كان يقرأ به، ونحن نقرأ بذلك من قراءته، ونتولى ذلك، ونرويه، ونرغب اليوم فيه، ما لم تخالف قراءته المصحف، فإن خالف المصحف لم نكذب بها، ولم نقرأ بها؛ لأنها خارجة عن الإجماع، منقولة بخبر الآحاد، والإجماع أولى من خبر الآحاد؛ ولأنا لا نقطع أنها قراءة ابن مسعود على الحقيقة، إذ لم يصحبها إجماع، ولذلك قال مالك وغيره: القراءة التي تنسب إلى ابن مسعود، فقال: تنسب إليه، ولم يقل قراءة ابن مسعود، والشيء قد ينسب إلى الإنسان، وهو غير صحيح عنه، ولذلك قال إسماعيل القاضي: ما روي من قراءة ابن مسعود وغيره، يعني مما يخالف خط المصحف، ليس ينبغي لأحد أن يقرأ به اليوم؛ لأن الناس لا يعلمون علم يقين أنها قراءة ابن مسعود، وإنما هو شيء يرويه بعض من يحمل الحديث، ولا يجوز أن يعدل عن اليقين إلى ما لا يعلم يقينه. اهـ بتصرف بسيط.
ولم يشارك عبد الله ابن مسعود في نسخ المصحف؛ لأنه كان بالكوفة، والمصاحف قد أمر عثمان بن عفان ـرضي الله عنه ـ بنسخها في المدينة المنوّرة.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي مبيّنا سبب عدم اختيار ابن مسعود من جملة الناسخين للمصاحف: العذرُ لعثمان -رضي الله عنه- في ذلك أنه فعله بالمدينة، وعبد الله بالكوفة، ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر. اهـ.
وراجع المزيد في الفتوى: 435859.
والله أعلم.