الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القرآن المتلو في أقطار الأرض جميع ما فيه حق

السؤال

ما مقدار ما هو مجمع عليه من القرآن، وما هو مختلف في كونه منه؟ لا أتحدث عن ثبوت كلمة أو حرف في قراءة، وثبوت انتفائه في قراءة أخرى، لكن أتكلم عن ثبوت كونه من القرآن مطلقا؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أجمع أهل القبلة على أن الله -تعالى- قد حفظ كتابه من الزيادة والنقصان، تحقيقاً لقوله -عز وجل-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}.

وأجمعوا على كفر كل من يخالف هذا، فيزعم أن كتاب الله -تعالى- فيه ما ليس منه، أو نُقص منه شيء مما أنزل الله فيه. إذ القرآن الكريم نُقل إلينا بالتواتر، ترويه الأجيال جيلا عن جيل، من عهد الصحابة على اختلاف بلدانهم وأقطارهم، يحفظه الصغير والكبير، والرجال والنساء، وتتفق مصاحفهم عليه مع اختلاف الأزمان والبلدان. ومثل هذا تقطع العقول بحفظه، ويحصل العلم الضروري به.

قال القاضي عياض في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى: وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض، المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله، ووحيه المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدَّله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأُجمع على أنه ليس من القرآن، عامداً لكل هذا، أنه كافر. انتهى.

ولا يعكر على ما ذكرنا اختلاف العلماء في عدِّ البسملة آية من القرآن أم لا؟ فلا يدخل في هذا، مع أن كتبة المصاحف من الصحابة -رضي الله عنهم- قد اتفقوا على إثباتها في أوائل السور إلا سورة التوبة، وذلك في المصاحف التي أمر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بكتابتها، وبعثها إلى الأمصار.

قال الشوكاني في نيل الأوطار -في الكلام على البسملة-: واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها، ولا من نفاها؛ لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفاً مُجمعاً عليه، أو أثبت ما لم يقل به أحد؛ فإنه يكفر بالإجماع، ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة "النمل"، ولا خلاف في إثباتها خطّاً في أوائل السور في المصحف، إلا في أول سورة "التوبة" انتهى.

وقد جعل بعض العلماء الاختلاف في عدِّ البسملة آية من القرآن، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف، فقد يثبت في بعض القراءات ما لا يثبت في غيرها، وهو ما أشار إليه العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي، في مراقي السعود بقوله:

وليس للقرآن تعزى البسمله وكونها منه الخلافي نقله
وبعضهم إلى القراءة نظر وذاك للوفاق رأي معتبر

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه: اختلف العلماء في البسملة، هل هي آية من أول كل سورة، أو من الفاتحة فقط، أو ليست آية مطلقاً؟

أما قوله في سورة النمل: "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" فهي آية من القرآن إجماعاً. وأما سورة براءة، فليست البسملة آية منها إجماعاً.

واختلف فيما سوى هذا، فذكر بعض أهل الأصول أن البسملة ليست من القرآن. وقال قوم هي منه في الفاتحة فقط، وقيل هي آية من أول كل سورة، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله تعالى-.

قال مقيده -عفا الله عنه-: ومن أحسن ما قيل في ذلك، الجمع بين الأقوال، بأن البسملة في بعض القراءات كقراءة ابن كثير آية من القرآن، وفي بعض القرآن ليست آية.

ولا غرابة في هذا. فقوله في سورة الحديد: " فإن الله هو الغني الحميد" لفظة (هو) من القرآن في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي. وليست من القرآن، في قراءة نافع وابن عامر؛ لأنهما قرأا "فإن الله الغني الحميد" وبعض المصاحف فيه لفظة (هو) وبعضها ليست فيه، وقوله: "فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم". "وقالوا اتخذ الله ولداً" الآية. فالواو من قوله (وقالوا) في هذه الآية من القرآن، على قراءة السبعة غير ابن عامر، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن؛ لأنه قرأ: "قالوا اتخذ الله ولداً" بغير واو، وهي محذوفة في مصحف أهل الشام. وقس على هذا. وبه تعرف أنه لا إشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض، وبذلك تتفق أقوال العلماء. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني