السؤال
هل للمعسر حق في مال الموسر؟ وهل نحاسب على الجار إذا كان معسرا ولم نساعده؟ لأنني أظن أنه من المعيب أن يكون هناك محتاج وسط جماعة تدعي التدين؟ وشكرا.
هل للمعسر حق في مال الموسر؟ وهل نحاسب على الجار إذا كان معسرا ولم نساعده؟ لأنني أظن أنه من المعيب أن يكون هناك محتاج وسط جماعة تدعي التدين؟ وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للفقراء حقا في أموال الأغنياء، وأول هذه الحقوق هو الزكاة، فالزكاة حق أوجبه الله تعالى نصا في كتابه للفقراء على الأغنياء، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا - رضي الله عنه - إلى اليمن ... فذكر الحديث، وفيه: أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم. متفق عليه. واللفظ للبخاري.
وقد يكون للفقير في مال الغني حق واجب غير الزكاة، وذلك في حال وقوع الفقير في حاجة شديدة وضنك، فإنه يجب على الغني مواساته بماله، فيبذله في تفريج كربته وإخراجه من الشدة والضنك الذي هو فيهما، قال ابن العربي في أحكام القرآن بعد تقريره بأنه ليس في المال حق سوى الزكاة، قال: وليس في المال حق سوى الزكاة، وإذا وقع أداء الزكاة ونزلت بعد ذلك حاجة فإنه يجب صرف المال إليها باتفاق من العلماء، وقد قال مالك: يجب على كافة المسلمين فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم، وكذا إذا منع الوالي الزكاة، فهل يجب على الأغنياء إغناء الفقراء؟ مسألة فيها نظر، أصحها عندي وجوب ذلك عليهم. اهــ.
فالزكاة هي الحق الوحيد الواجب في المال بسبب ملك الغني له، ولكن هنالك حقوق أخرى قد تجب لأسباب أخرى عارضة كإطعام الجائع وفك الأسير وكسوة العاري، وقد يتعين ذلك على غني بعينه، إذا علم أنه إن لم يفعل ذلك لم يقم به غيره من الأغنياء، لأن هذا من فروض الكفايات فيتعين عليه حينئذ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى: وأما " الزكاة " فإنها تجب حقا لله في ماله. ولهذا يقال: ليس في المال حق سوى الزكاة أي ليس فيه حق يجب بسبب المال سوى الزكاة وإلا ففيه واجبات بغير سبب المال كما تجب النفقات للأقارب والزوجة والرقيق والبهائم ويجب حمل العاقلة ويجب قضاء الديون ويجب الإعطاء في النائبة ويجب إطعام الجائع وكسوة العاري فرضا على الكفاية؛ إلى غير ذلك من الواجبات المالية. لكن بسبب عارض. اهــ.
وقال أيضا في الفتاوى الكبرى: والمضطر إلى طعام الغير إن كان فقيرا فلا يلزمه عوض إذ إطعام الجائع وكسوة العاري فرض كفاية ويصيران فرض عين على المعين إذا لم يقم به غيره. اهــ.
وقال أيضا: في المال حقوق سوى الزكاة مثل صلة الرحم من النفقة الواجبة وحمل العقل عن المعقول عنه واجب بالإجماع ومثل إطعام الجائع وكسوة العاري ونحو ذلك فهو فرض كفاية فمن غلب ظنه أن غيره لا يقوم بذلك تعين عليه، ومثل الإعطاء في النوائب مثل النفقة في الجهاد وقرى الضيف فهو واجب بالسنة الصحيحة. اهــ.
ويتأكد هذا إذا كان جارا، فإن الجار المسلم له حقان حق الإسلام وحق الجوار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانا وجاره جائع إلى جنبه. رواه الحاكم وغيره. وصححه الألباني.
فمن فرط في حق واجب فسيحاسب عليه، إن لم يتجاوز الله عنه، ويرضي عنه الخصوم إن لذلك الحق مخاصم.
وهذا فيما يتعلق بالحقوق الواجبة. وأما الحقوق المستحبة فهي كثيرة، فمن قام بها أثيب وأخلف الله عليه خيرا وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على العبد، ومن لم يفعل ذلك فلا إثم عليه.
والله أعلم.