السؤال
بارك الله لكم ورزقكم الخير بكل حرف تكتبون - تبغون به إعلاء كلمة الله.
ملخص سؤالى عن حق الوالد فى الخدمة والطاعة على ابنته التي لم تتزوج ومازالت تدرس ويعولها؟
التفاصيل: بعد أن رزقنا الله بأول بنت (من اثنتين) استأمنت زوجتي على تربيتهما بما يرضى الله، وفي سياق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حق الصحبة في الدنيا للأم يفوق الاب بثلاثة. وكذلك أن البنت تميل لأمها غالبا. ولا يحتاج تدخل الأب إلا قليلا، ثم وكان عملى هو الشغل الشاغل. ولما كانت زوجتي مسيطرة فتربت بناتي ليس على طاعة أمهم فحسب وإنما على عبادتها. نعم بنتي تعبدان أمهما خوفا من عقابها ولا تخافا من ربنا بنفس القدر. والأسوأ أن زوجتى لا تردهما. فلا نحركان ساكنا إلا عند ما تأمرهما. تختار لهن ما يلبسن وما يقلن وما يفعلن. وإن لم تفعلا سودت حياتهما. ثم وبخلت علي بحقي في طاعة بناتي. المشكلة أنهما تطيعانها حتى فيما يضر بمستقبليهما. كررت مرارا أن طاعة الأم فرض ولكن بلا ضرر ولا ضرار. وأن طاعة الأم لا ولن تعني إهمال الأب كلية.... الخ
كنت أحاول دائما دعم شخصية بناتي. وأوجه زوجتي لتدع لهم فرص للتنفس. لا إفراط ولا تفريط. دعيهن يلبسن ما يشأن لا تتدخلي في كل شيء. ..... الخ.
أشهد الله أنني ما أمرت إلا بخير وما أردت إلا خيرا. أخاف الله ... ولا أرجو إلا أن يكونا حجابا لي من النار كما أخبر صلى الله عليه وسلم. والله على ما أقول وكيل.
إنني أحاول بمساعدتكم توجيه نظر بنتي لسوء ما تفعلان.
هل خدمة الأب (فيما يرضى الله) فرض؟ هل طاعة الأب (فيما يرضي الله) فرض؟ ماهو موقف البنتين إذا اختلفت وزوجتي؟ أو ليست هي المصلحة الشرعية؟ هل هذه العبارة سليمة - غضب الرب من غضب الأب؟ أو ليس التقصير في طاعة الأب وخدمته أو إهماله من العقوق؟ أعلم أن العقوق عقابه في الدنيا قبل الآخرة؟
بحثت كثيرا في موقعكم- وجدت الكلام مستفيض عن الوالدين أو عن الأم أما الأب فلم يذكر حتى بمقدار الربع!!!
ليس لدى أدنى مشكلة أن تحيلوني على أي فتوى سابقة، ولكن أستحلفكم بالله أن تكون بها إجابات واضحة محددة عن أسئلتي وأن تتكلم تحديدا عن حق الأب. وأسأل الله لكم التوفيق والسداد.
وأخيرا أسأل الله أن يجزيكم خيرا بكل حرف تردون به.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحق الوالدين على أولادهما عظيم، والأم تفضل الأب في البر ولكن للأب حقه في بر ولده ومعرفة مكانته وفضله. ولمعرفة بعض النصوص بهذا الخصوص يمكن مطالعة الفتوى رقم 136974. ومن البر خدمة الأولاد لأبيهم، وقد تكون هذه الخدمة واجبة وذلك عند حاجته إليها كما بينا بالفتوى رقم 74929. وامتناعهم عن هذه الخدمة عند الحاجة إليها من العقوق بلا شك، وعاقبة العقوق خطيرة، وقد تعجل هذه العقوبة في الدنيا كما ثبتت بذلك السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا اختلف الوالدان وتعارض حقهما في الطاعة في المعروف فينبغي للأبناء الاجتهاد في التوفيق بين حقيهما.
نقل القرافي في كتابه ـ الفروق: أن رجلا قال للإمام مالك ـ رحمه الله تعالى: إن والدي في بلد السودان وقد كتب إلي أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك ولا تعص أمك. اهـ.
وذلك لعظم حق كل منهما على الولد، وإن كان الراجح عند أهل العلم تقديم طاعة الأم في غير معصية على طاعة الأب عند التعارض وعدم إمكان الجمع، وسبق ذلك في الفتوى رقم 67927.
وعلى وجه العموم يجب على الأولاد طاعة الوالدين، ولكن هذه الطاعة مقيدة بكونها في المعروف، وكونها فيما فيه مصلحة للوالدين ولا ضرر على الولد فيها كما بين ذلك أهل العلم، ويمكن مراجعة كلامهم في ذلك بالتفصيل بالفتوى رقم 76303 . ومهما أمكن الأولاد طاعة والديهم فليفعلوا، ولا يجوز لأي من الوالدين تكليف الأولاد بما فيه ضرر عليهم، كما لا يجوز لأحد منهم تحريض الأولاد على عقوق الآخر أو التفريط في حقه والتهوين من قدره، فإن فعل فلا طاعة له، فإن فعل فلا طاعة في ذلك لأنه معصية.
ومن المعروف أن تقوم الأم بإرشاد بنتيها إلى ما فيه مصلحتهما، إن كانت ترى لهما ذلك، ولكن ينبغي أن تكون حكيمة فلا تستعمل معهما أسلوب القهر، فإن مثل هذا الأسلوب قد يكون له آثاره السيئة عليهما في مستقبل الأيام. وعلى كل فإن كان تصرف زوجتك مع بنتيك على ما ذكرت فينبغي أن تناصحها في ذلك بأسلوب طيب، ويمكن أن تستعين عليها في ذلك ببعض من ترجو أن تستجيب لنصحهم.
ونوصيك بالحرص على ابنتيك هاتين وتعاهدهما بالتوجيه والتلطف بهما ومداراتهما حتى تتمكن من التأثير عليهما، وبالصبر والمصابرة والمجاهدة تبلغ القصد بإذن الله تعالى.
والله أعلم.